بين الجد واللعب


شعوب الولايات اللبنانية غير المتحدة تهوى الدراما... حتّى المملة منها
انتهى شهر رمضان وانتهت معه كل المسلسلات التي تحكي قصص أهل القصور ونساءهم المنتقيات بدقّة، بأطوالهن وأوزانهن وأحجام صدورهن على طريقة أغنية الشيخ إمام "النساوين المتنقية"، ولكن، هناك مسلسلٌ حقيقيّ وحيّ بدأ قبل رمضان وتواصل بعده ومرجّحٌ أن يستمرّ على الأقل حتى نهاية تموز، إنه مسلسل "موازنة خفض العجز".

فمن نقاش مواد الموازنة في جلسات حكومية بلغت العشرين إلى مناقشتها في لجنة المال التي لم تنته بعد، ومن ثم إلى اللجان المشتركة قبل الذهاب إلى الجمعية العامة. في كل محطة عنترياتٌ لا تعدّ ولا تحصى من ممثلي هذا الحزب في السلطة أو ذاك لتعود وتمر المواد بسلاسة، ولكن على هامشها صراع ديوكٍ بين قوى السلطة على ما هو أهم من الموازنة، إنه بند المحاصصة في التعيينات التي أشعلت نار التوتّر بين الحلفاء قبل أن تشعلها بين الأطراف وخصومهم.
المشهد السياسي الحقيقي أكثر درامية من مسلسلات رمضان، فهو يؤكّد أنّ لا لبنان على الأرض، بل مسرحاً اسمه الولايات اللبنانية غير المتحدة، أبطال الدراما فيه هم أنفسهم على مرِّ عقود مضت بفارق عمليات الاستنساخ التي تُسمّى توارثاً للزعامة، من الجدّ إلى الأب إلى الإبن ومن ثم الحفيد، وشعوبُ هذه الولايات تصفّق لزعمائها وهم يسوقونها إلى المسلخ للذبح. شعوبٌ تهوى الدراما حتى المُملّة منها وحتى لو لم يكن فيها نساء "متنقية" وفي كل حلقة يجري امتصاص المزيد من دمائها... ما العمل؟
******
لبنان وفلسطين أقوى مواجهي صفقة القرن الصهيو ــ أميركية
يروّج البعض أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب تأخّر في إعلان مشروعه لحل القضية الفلسطينية الذي أطلق عليه عنوان "صفقة القرن"، ولكن الحقيقة أنّ الإعلان قد بدأ قبل عام ونيف عبر إعلانه القدس عاصمة أبدية لدولة الكيان الصهيوني الغاصب لفلسطين، وبعدها تأييده لضمّ الجولان لهذه الدولة المسخ، وها هو يعلن على لسان صهره جاريد كوشنير تخصيص مبلغ خمسين مليار دولار لمشاريع "تنموية" في كلٍّ من مصر والأردن وفلسطين ولبنان في حال الموافقة على صفقة القرن.
أمّا الخطوة ما قبل الأخيرة لإعلان صفقة القرن فقد أتت في مؤتمر المنامة الذي عُقِد بصورة هزيلة في البحرين بغياب أهل القضية (كل ممثلي الشعب الفلسطيني حكومةً وأحزاباً وقوىً معارضة) وإدانة شديدة اللهجة من قبل الجميع لهذا المؤتمر. وبما أنّ رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو فشل في تشكيل حكومة ودعا إلى انتخابات مبكرة في أيلول المقبل؛ فإنّ الاعلان النهائي لصفقة القرن أو لما تبقّى منها بعد أيلول سيكون بمثابة إعلان موتها أيضاً.
الصوت الأول والأقوى عربيّاً لرفض صفقة القرن جاء من لبنان بإضرابٍ شامل عمَّ كلّ المخيمات الفلسطينية وبتصريح شديد اللهجة لرئيس مجلس النواب نبيه بري أعلن فيه رفض لبنان بيع قضية القدس من أجل "ثلاثين من الفضة". أمّا ردّ الشعب الفلسطيني فهو الذي يعوّل عليه وهو لم يتأخر أيضاً بإعلان الإضراب والتظاهر في كلّ أرض فلسطينية. ويبقى أنّ المتآمرين على القضية أصحاب البترول وإماراتهم وممالكهم المسخ لن يجدوا من يرضى بدولاراتهم ثمناً لقضية بمستوى القداسة، هي قضية فلسطين.
******
طهران تفرض توازن رعب على واشنطن في الخليج كما حزب الله مع الكيان الصهيوني
حشد الرئيس الأميركي دونالد ترامب حاملات طائراته وبوارجه وطائراته الحربية في منطقة الخليج العربي وعزّز قوّاته البرية ببضعة آلاف في قواعده المنتشرة في دول الخليج، وشدّد العقوبات الاقتصادية على طهران بعد انسحابه من الاتفاق النووي الدولي معها بصورة منفردة، وأطلق العنان لأبواق الحرب وطبولها عنده سواءً بتصريحاته أو تصريحات وزير خارجيته مايكل بومبيو ومستشاره للأمن القومي جون بولتون.
كلُّ ذلك لم يفت من عزيمة القيادة الإيرانية في إصرارها على عدم العودة إلى طاولة المفاوضات تحت الضغط. أرسل ترامب وسطاءً وموفدين (من ضمنهم رئيس وزراء اليابان) ورسائل للقيادة الإيرانية لإغرائها؛ فلم يحصل منها سوى على كلمة "لا" شجاعة وثابتة وراسخة. فقرّر أن يلعب بالنيران فأرسل طائرة استطلاع من دون طيار فكان الرد الإيراني عنيفاً عبر إسقاط الطائرة والمبادرة إلى الإعلان عن ذلك بالرغم من نفي واشنطن أوّلاً والاعتراف به لاحقاً. ومن ثم إعطاء الأمر بالإغارة على إيران ومن ثم إلغائه.
من الواضح إن الإدارة الأميركية تتخبط في تعاملها مع إيران، فلا العقوبات ولا التهديد ولا الترغيب أعطى نتيجة. ما العمل وترامب على باب إطلاق حملته الانتخابية في الخريف المقبل؟ إن الصفعة التي وجّهتها طهران لواشنطن وجبروتها بإسقاط الطائرة ابتلعتها الأخيرة، لأنها لم تعد تملك إلّا خيار الحرب الذي يمكنها أن تبدأها ولا يمكنها أن تنهيها أو تعرف نتائجها مسبقاً عليها وعلى حلفائها في المنطقة. وهكذا فقد استفادت طهران من تجربة توازن الرعب الذي أقامه حزب الله مع الكيان الإسرائيلي لتفعل مثله مع "الشيطان الأكبر".
******
لتعليقاتكم على البريد الالكتروني عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

 

  • العدد رقم: 360
`


ماهر أبي نادر