الأحمر يسقط عن جواده

عمرت الأعداد الأخيرة من مجلّة النداء بكتاباتٍ دُرجَت تحت اسم "جواد الأحمر". ولا شك إنّ فيها، من جهة، جهداً نظريّاً يحاول استنباط الأنسب كي نسير عليه عمليّاً في الآتي من الأيام، وفيها من جهة أخرى، التباسات نظريّة عديدة، تجعل المقالات الأربعة تستثير النقد، وهذا ما سنفعله في مبحثنا هذا، إيماناً منّا بأنّ الخلاصات الصحيحة لا تُبلغ إلّا بعمليةٍ جدليةٍ من البحث والنقد والنقد المضاد وهكذا دواليك.

بادئ ذي بدء، وبعد أن قرأنا المقالات الأربعة، يسعنا القول أنّ المكتوب قد قُرئَ من عنوانه فعلاً. وليس منّا من ظلم تجاه الكاتب إن اختصرنا مضمونها بالآتي: علينا أن ننسى الآن كل ما يتعلّق بـ "النضال المطلبي"، وأن نقارع الامبريالية في عقر دارها. سننطلق إذاً في معرض حديثنا من كتابات الرفيق جواد بشكلٍ عام، ثم إلى بعض أفكارها بشكلٍ الخاص. وكسباً للوقت، وللجهد أيضاً، سنفتتح ردّنا بفكرةٍ للرفيق مهدي عامل، تساعدنا على تحديد منطلقاتنا: "إنّ التداخل بين القضيّتين (الوطنية والاجتماعية) قائمٌ في حقيقته البنيوية، أي في بنية الإنتاج الكولونيالية، قبل أن يكون في حقيقته الحديثة، أي قبل أن يتكشّف للوعي السياسيّ ظاهرة مرئية. بل يمكن القول إن الظاهرة هذه ما كان لها أن تصير حقيقة حدثية لم تجِد في تلك البنية شرط وجودها. فآلية زمان الإنتاج الكولونيالي واحدة معقّدة لا يصح فيها فصل الثورة التحرّرية عن الثورة الاشتراكية، لأنّ الثورتين واحدة. إنّ العلاقة الكولونيالية من حيث هي علاقة تبعية بنيوية هي التي تحدّد بالضرورة الثورة التحرّرية الوطنية، في آليتها الداخلية ، كثورة اشتراكية، والعكس بالعكس" (مهدي عامل، مقدّمات نظرية). تهدم هذه الأسطر القليلة معظم المنطلقات التي يبني جواد الأحمر فرضيّاته عليها، ولعلّ الزلّة الأبرز في كتاباته هي في أنّه يفصل – منزلقاً نحو منطقٍ برجوازي– بين النضال المطلبي والتحرّر الوطني. والحق، أنّنا نرى، من جهتنا، في هذين المصطلحَين، جزأين من كلٍّ لا ينفصلان. وليست الأولى جزءاً من الثانية ولا العكس، بل هما عمليّتان مترابطتان، كوننا نخضع تحديداً لشروط البنية الرأسمالية التبعية. أمّا الزلّة الثانية، فتكمن في تطويع النظريّ للعمليّ – أعني، ينقّح جواد نظريّاته كيفما توفّق، شرط أن تفضي في نهاية المطاف إلى تبرير ما يراه مناسباً من خطواتٍ عمليّةٍ على الحزب أن ينتهجها – مثل قوله بعد طول شروحات: "هذا هو التناقض الرئيسي الذي ينبغي الانطلاق منه لبناء تحالفاتنا تمهيداً للانخراط في الصراع الدائر في العالم والمنطقة والسير على طريق التغيير الفعلي". من هذا التصريح نفهم همّ الكاتب كلّه: البحث عن نظرية تبرّر التحالف مع جهاتٍ سياسيّة محدّدة ومعروفة. لا بأس، فهذا من حقّه، إلّا أنّه من حقّنا أيضاً أنْ نبيّن أنّ هذه النظرية لا تتعدّى حدود الجدل السفسطائيّ، دون أساسٍ فكريٍّ متّسق، وبشكلٍ أدق، أنْ نبيّن أنّ الكاتب ينطلق من قوانين كانت تحكم تطوّر نمط الإنتاج الرأسمالي منذ عقودٍ خلت، وأنّ تطبيق هذه القوانين على واقعنا اليوم، وقراءة أوطان اليوم نقلاً عن خارطة الأمس، هو ما يخلق هذه الهوّة التي تحول بين الكاتب وبين الماركسيّة، وتضعه مباشرةً في خانة المنطق البرجوازي القومي. والآن، بعد أنْ حدّدنا الإطار العام للمناظرة، إليكم تفاصيلها في ما يتعلّق بنقطتَين، وهما علاقة المركز بالأطراف والتناقض الرئيسي/ الثانوي.


بعد الإسهاب في الكلام عن السياسة والتاريخ، يخوض "جواد" غمارَ المعترك الاقتصادي، تحديداً في مقاله الثاني. فهو يرى مثلاً أن الأنظمة الرأسمالية التابعة المُشكّلة في الأطراف "وظيفتها الأساسية الإسهام في استيعاب فائض القيمة المُنتَج في المركز". وهنا خطأ فادح، ربّما عن غير قصد: ففائض القيمة المُنتَج في المركز تستوعبه جَيبة الرأسمالي مباشرةً، ولا علاقة للبلدان التابعة بهذا الشأن. ربّما قصد الكاتب أن يقول أنّ وظيفة هذه البلدان هو استيعاب فائض الإنتاج المنتَج في المركز، وبالتالي المساهمة في زيادة فائض القيمة المتراكم في المركز. بل بمزيدٍ من الدقّة نقول: "إن هذه العلاقة، كما يحدّدها ماركس، علاقة استغلال للبلد المستعمَر من قبل البلد الرأسمالي، بل الأصحّ أن نقول إنها علاقة فائض استغلال (Surexploitation)". (مهدي عامل، مقدّمات نظريّة – ملحق رقم 1).
أمّا بعد، فهو يرى أنّ الرأسمالية "ترتكز على استغلال الطبقة العاملة في المركز وعلى اضطهاد الشعوب في الأطراف بالهيمنة عليها وتفتيتها ونهبها بسبب حاجتها إلى التوسّع. [...] تغلب الأولى على الثانية كلّما اقتربنا من المركز والعكس كلّما ابتعدنا عنه نحو الأطراف." لا يساور الشك أحداً أنّنا هنا في لبنان بعيدون كل البعد عن المركز، فهل هذا يعني، وفق منطق "الأحمر"، أنّنا كطبقة عاملة في لبنان، بعيدون كل البعد عن الاستغلال؟ خَي، طمّنتنا! لسنا طبقة مستغلّة، ولكن أهذا يجعلنا "شعوباً مضطهدة"؟ ما القصد بهذا القول؟ هل السنيورة مثلاً، والميقاتي ورياض سلامة وأبو رخّوصة ومن لفّ لفّهم، هم جزء من هذا الشعب المضطَهد ويعانون ما نعانيه من اضطهاد؟! إن مقولة الكاتب في هذا السياق تزيد من ضبابية قراءة الواقع، هذا لأنّه يحاول استنباط حقيقة اليوم من كتاباتٍ أكل عليها الدهر وشرب، سابقة للرأسمالية بتطورها الحالي. إنّ القول بـ "شعوبٍ مضطهدة" هو قول قديم كل القدم نسبةً للنموذج الاقتصادي العالمي اليوم، إذ إن هذه الفكرة قد صحّ الكلام عنها في أوّل مراحل انتشار نمط الانتاج الرأسمالي، أي في أوّل أطوار خروج رأس المال من حدود بلدان المركز، أي، عندما كانت البلدان المستعمَرة وشبه المستعمَرة محصورة وظيفيّاً بتصدير المواد الأولية من جهة وباستيعاب فائض الإنتاج من أسواق المركز إلى أسواقها من جهةٍ أخرى. أمّا بعد، وخلال العملية هذه، تمّت "رسملة" هذه البلدان – وإن كان بشكلٍ مغاير للمجرى الكلاسيكي للانتقال إلى الرأسمالية؛ نعني، أمّا وقد تغلغل رأس المال – بشكله الاستعماري، في صلب هذه البلدان "المتخلّفة" عبر فئةٍ ما كانت برجوازيةٍ صرف بل لعبت دور الوسيط وصارت بناءً عليه برجوازية تابعة، فقد سقطت مقولة الشعوب المضطهدة، إذ ظهرت تباينات جديدة بين فئات هذه الشعوب نفسها، يضعها الكاتب في خانة التناقضات الثانوية، ويدعو لتخطّيها مرحليّاً، بغية مواجهة المركز. والحقّ، إنّنا لا نرى من ثانوي في هذا الموضع، إذا ما سلّمنا بصوابية منطق "فائض الاستغلال" في بلداننا.
ثم يقول، "لا يُعقل أن يكون النضال في مواجهة الرأسمالية قرب المركز مشابهاً للنضال بعيداً في الأطراف". ولربّما هذا هو القول الأوّل الذي نوافقه فيه تمام الاتّفاق. إلّا أن الأزمة تكمن في أنّه يفصل من جديد ما بين "الصراع الطبقي" و"التحرّر الوطني" (في المقال الأول كان يفصل بين "النضال المطلبي" و"التحرر الوطني")، لا بل أنّه يعتبر أنّ "طبيعة الرأسمالية الاستغلالية للطبقة العاملة قرب المركز تدفع في اتجاه الصراع الطبقي، وبعيداً عن المركز أي في الأطراف طبيعة الرأسمالية المهيمنة الاضطهادية للشعوب تدفع في اتجاه التحرّر الوطني من أجل التخلّص من التبعية والهيمنة". أي علينا أن نتخطّى مآسينا في البلد، ونقفز مباشرةً إلى وكر الامبرياليّة لمواجهتها. ما همّنا يا رفاق إن كنّا نعيش الذل يوميّاً ونُستغل ونُقمَع يوميّاً من قِبل السلطة هنا، والامبريالية تسرح خلف البحار؟ واجهوها هناك – يقول الكاتب! فما من ضرورة – وفق طروحاته – من مواجهة الطبقة الحاكمة في لبنان، بل علينا التصويب مباشرةً على الطبقة الحاكمة في رأسمالية المركز (والنقاش حول هذا المركز -أو المراكز- سجالٌ آخر). بينما نرى نحن، من جهتنا، عوضاً عن غض النظر عن المواجهة في الداخل، أنّنا مطالبون بمضاعفة جهودنا لمواجهة لا الذي يضطَهد الشعوب فحسب، بل وكلائه في داخل البلدان التابعة أيضاً. والحق، إن بعبع الامبريالية، أو قل، تعادل جميع الميول والاتجاهات الرجعية بالنسبة للكاتب يحرمه من فهم تناقضات البرجوازية نفسها.

أمّا بعد، فاللغط مستمر، خاصّةً في استعمال مصطلحَي "التناقض الرئيسي" و"التناقض الثانوي" في غير موضعهما. ولحلّ المعضلة، نقول أنّنا نرى، من جهتنا، إنّ التناقض الرئيسي هو التناقض السياسي في الصراع الطبقي داخل البنية الاجتماعية، أكان في شكل النضال المطلبي (شرط أن يكون مُسيّساً) أو التحرّرالوطني أو غيره – طالما أنّه يدور في الحقل السياسي من الصراع الطبقي، أي طالما أنّه هو هو التناقض الذي يحدّد الفئة المسيطرة اجتماعيّاً. وهنا تأتي المهام الملقاة على عاتق الطبقة العاملة إن شاءت أن تلعب هذا الدور (راجع كتابات مهدي عامل حول الثورات الثلاث في الثورة الواحدة وترابطها، في كتاب مقدّمات نظرية - "حول الدور التاريخي للطبقة العاملة في حركة التحرر الوطني").أمّا إذا أصرّينا على الكلام عن تناقضٍ رئيسيّ وثانوي، نستطيع القول أنّهما موجودان في حدود العلاقة بين الفئات والطبقات في المجتمع نفسه أي، التناقض الرئيسي يكون بين التحالف الطبقي المسيطر والتحالف الطبقي النقيض – المفترض منه أن يكون ثورياً، أمّا التناقضات الثانوية، فهي في داخل هذه التحالفات نفسها. هاكَ، هكذا أوضح. ولحسم موضوع التناقضات هذا ضربةً واحدةً وأخيرة، نقتبس مجدّداً من الرفيق مهدي، من كتابه "في تمرحل التاريخ": "هذا يعني أن التناقض السياسي هو في كل مرحلة من مراحل تطور البنية الاجتماعية التناقض الرئيسي، أي المسيطر فيها، برغم اختلاف الشكل الذي يتحرّك فيه، والذي ليس بالضرورة شكلاً سياسيّاً. وهذا يعني أيضاً أنّ التناقض بين الطبقتَين الرئيسيّتين هو التناقض الدائم في هذا التناقض الرئيسي، في كل مرحلة من مراحل تطوّره. فانتفاء ديمومة هذا التناقض الدائم فيه هو أساس نظري ينطلق منه الانحراف الانتهازي في القول، مثلاً، إن "مرحلة" الصراع الوطني يزول فيها التناقض الطبقي بين الطبقة العاملة والبرجوازية في "تناقض رئيسي" هو "التناقض الوطني" بين البلد المستعمَر، ككل، وبين الاستعمار (كأنّ هذا الاستعمار ليس دوماً حاضراً، في البلد المستعمَر، في حضور البرجوازية الكولونالية فيه، سواء أكانت البرجوازية هذه، في طابعها الرئيسي، زراعية أم صناعية أم "مالية"). " انتهى الاقتباس.

أمّا الذروة، فهي في قول الكاتب: " فكلّما تحسّنت أوضاع العمّال في دول المركز ازدادت الحاجة إلى الهيمنة والنهب في دول الأطراف". أهذا يعني أنّه إذا خُفّض وقت العمل الإضافي في أوروبا ساعة، سيزداد وقت عملي الإضافي هنا ساعة؟! إنّ هذه المقولة، إن صحّت، تجعلني صراحةً أتمنّى أن يزداد استغلال العمّال في دول المركز، لا بل أن يبلغ حدّه الأقصى، كي يخفّ النهب في بلدان الأطراف فيرتاح العمّال هنا أكثر. خطورة هذا القول أنّه يُحرّض أفراد الطبقة العاملة العالميةّ ضدّ بعضهم البعض! وقد يعترض الكاتب على قولنا هذا بحجّة أنّه تكلّم عن ازدياد في النهب وليس في الاستغلال، إلّا أنّنا لا نرى أنّ المفهومَين منفصلان، ولكن بالتأكيد لا نرى أنّ العلاقة بينهما ميكانيكية كما وصفها، وإن كانت الرأسمالية تعتمد على النهب بغية التوسّع، إلّا أنّها لا تطوّر، بنيويّاً، إلّا عبر الاستغلال، باعتباره عمليّة أساسيّة تحكم عمليّة التراكم على المستوى العالمي. أي، عمليّاً، ستسعى الدولة الرأسمالية في المركز لمراكمة رأس المال قدر المستطاع، وهي لن تجلس أمام كفّة الميزان وتوازي ما بين استغلال طبقتها العاملة وبين النهب، ولن تنتظر حتى تخفت درجة الاستغلال في الداخل لتقول "حسناً سأزيد من هذا النهب كي أعوّض الفرق"؛ الدولة الرأسمالية ستستغل في الداخل وتنهب في الخارج قدر المستطاع وليست العلاقة ميكانيكية بإطرادٍ عكسيّ بين الاثنين كما يصوّرها الكاتب. ولو أردنا الإصرار على أنّه ثمّة علاقة ما بينهما، فنحن ميّالون إلى أنّها تماماً عكس ما وصفها الرفيق جواد، أي، إنّ المكتسبات التي قد تحقّقها الطبقة العاملة في بلدان المركز والضغط على طبقتها الحاكمة في الداخل، لن تجعل هذه الطبقة تزيد من النهب في الخارج كي تعوّض الفرق، لا بل من شأن هذه النضالات أن تضعف الرأسمالية في بلدان المركز وبالتالي أن تحدّ من قدرتها على التوسّع والهيمنة خارج البلاد، ولو أنّها رغبت بذلك ذاتياً لتعوّض، إلّأ أنّ هذه المهمّة ستصبح أصعب موضوعياً. وبعكس هذه الفكرة، يرى الكاتب أن العمل النقابي قد خدم بشكلٍ أو بآخر توسّع الرأسماليّة، حتّى أنّه عنوَن مقاله الثاني "النضالات المطلبية في خدمة الرأسمالية وتوسّعها"! يعني، هل تذهب سدى كل مساهمات لينين، هو الذي اجتهد طول سيرته النضالية في تنظيم العمل النقابي؟ هل كان الرفيق حنّا، وقد قاد أهم تجربة نقابية في تاريخ لبنان المعاصر – حسب منطق "الأحمر" – يخدم الرأسمالية وتوسّعها؟!

لم نناقش حتى الآن سوى مقاليْن من أصل أربعة، لكنّنا نعتقد أن الفكرة قد غدَتْ أوضح، وأنّنا قد أسهبنا في الكلام في هذا المقال، وعليه، نعتذر من القارئ على الإطالة، ونشكره على صبره. في الخلاصة نقول، لا مجال للفصل بين أشكال الصراع، ولا التبخيس بمستوى منه على حساب آخر. يخطر على ذهني هنا مثلاً بسيطاً، ردّده لي أكثر من رفيقٍ في الحزب: "من وزّع منّا جريدة النداء على البيوت أيّام الحرب، كان يقاوم بقدر ما كان يفعل المقاتل على الجبهة. ومن حرّض العمّال في معمل غندور، ناضل بقدر من خطّط للعمليّات العسكرية في الجنوب". إنّ فهم أشكال النضال على أنّها متكافئة ومترابطة ومتكاملة من باب الضرورة، هو ما يسمح بنجاح العمل الثوري، بينما إقصاء منطلقاتٍ على حساب منطلقاتٍ أخرى، فما هو إلّا عائق أمام التطوّر الذاتي للحزب الشيوعي، وما هو إلّا شطحة نظرية برجوازية. وهنا نسأل، عوضاً عن ذلك، كيف لنا أن نوائم ما بين الاثنين؟ كيف نرتّب أولويّاتنا؟ أيننا من البروباغندا العالمية التي تفيد انتشار الرأسمالية والليبرالية – أين الإعلام البديل الذي من شأنه أن ينقل خطابنا لأوسع شريحة من الناس؟ ما الخطّة التي على الحزب الشيوعي اتّباعها بغية توسيع قاعدته الشعبية والعودة إلى دوره الطليعي في الساحة السياسية؟ كيف نصل إلى الجماهير؟ هذه هي الأسئلة المرجوّ نقاشها اليوم بغية التقدّم في العمل السياسي. وعلى مستوى أوسع نسأل، "ما هي آفاق المنظومة العالمية: هل تتجه نحو ازدواجية متعاظمة بين مركز وطرف، أم أن تلك ليست سوى مرحلة من مراحل التطور، فتكون المنظومة، في هذه الحال، متجهة نحو نوع من التشكيلة الرأسمالية العالمية المتجانسة. لا شك في أنّه يجب أن توضع في هذا الإطار من جديد جميع مشكلات العالم المعاصر، سواء منها مشكلات الصراع الطبقي أو المشكلات "الوطنية" التي تتداخل بسبب ذلك على كل حال إلى حد أنّها لا تؤلف إلا مسألة واحدة ذات أوجه متعدّدة لا ينفصل بعضها عن بعض". (سمير أمين، التراكم على الصعيد العالمي). فنهايةً نقول، إنّ كل بَحصة تُرمى على هذا النظام القائم، أكانت قرشاً إضافيّاً استحصل عليه عامل عبر نقابته، أو كانت كامل أراضي فلسطين محرّرةً، هي خطوة إضافية نخطوها نحو الوطن الحر والشعب السعيد، نحو زمن التغيير الثوري. المعركة طويلة وشاقّة وكل الوسائل فيها مشرّعة، مقاتلون هنا وغيرهم هناك والبقاء للأقوى، سلاحنا النهائي في بلاد الرأسمالية الكولونيالية هو الماركسية المتمايزة، نتمسّك بها لفهم الواقع وتغييره، أمّا بمنطقٍ برجوازيٍّ قومي، فالأحمر يسقط عن جواده!