جدلٌ حول قانون الاضراب في المغرب



يعتبر الإضراب حق إنساني مشروع لا ينتزع إلا ظلماً وعدواناً، والمساس به هو تعدٍ صارخ على حق الطبقة العاملة في الدفاع عن حقوقها، فالذي يعمل في أية مهنة ليس مستعبداً ولا رعية بل هو مواطنٌ حرٌ له الحق في التمتع بحقوقه كما نصّت عليه المواثيق والأعراف الدولية، وتحديداً اتفاقية العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

وقّع المغرب على قانون الاضراب في ١٩ كانون الثاني/يناير عام ١٩٧٧، وصادق عليه في ٣ أيار ١٩٧٩. وفي التعديل الدستوري الجديد المعمول به منذ عام ٢٠١١، نصّ الدستور ضمن الفصل 29 منه على أن "حق الإضراب مضمون، ويحدد قانون تنظيمي شروط وكيفيات ممارسته"، ولكنه لم ينهِ بعد المسار التشريعي المطلوب لكي يصبح ساري المفعول. وجب التذكير أنّه وفي سنة ٢٠١٦، وبعد المصادقة عليه من قبل المجلس الوزاري، أُحيل مشروع القانون التنظيمي الآيل إلى تحديد شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب على مجلس النواب، وبقي هناك دون مناقشة لأربع سنوات، وهو اليوم محطّ جدل بين الحكومة والنقابات والاتحاد العام لمقاولات المغرب.

ومن المعلوم أن الاضراب هو حق دوليّ مشروع ومنع ذوي الحقوق من حقوقهم سواء كانوا مستخدمين في القطاعات العمومية أو شبه العمومية أو الخاصة سيؤدي لا محالة إلى استعبادهم باسم القانون من طرف المديرين ورؤساء العمل وأرباب المقاولات. أمّا الأكثر سوءاً من هذا فأن يصبح الإضراب مراقباً قضائياً، وهذا كله تحت إمرة وتصرف الداخلية بكل مؤسساتها السلطوية التي تفرض تحكمها، وتثبت وقائع كثيرة صحة ذلك التحكم مراراً وتكراراً. بكل بساطة إنهم يحولون قانون الحق في الإضراب من أداة ضغط دستورية ومشروعة بيد الأجراء والموظفين للدفاع عن حقوقهم المادية والمعنوية وتحصين مكتسباتهم الى مجال للتضييق على الحريات النقابية.

تجمع النقابات في المغرب رفض مضامين هذا النصّ التشريعيّ وطالب بتعديله بناءً على خلاصات حوار اجتماعي مع الحكومة وأرباب العمل، وهو ما تتجه الحكومة إلى القيام به في الأيام المقبلة، وترى نقابة الاتحاد المغربي للشغل أنّ النص التشريعيّ لقانون الاضراب سيكبّل أيديها ويمنعها من ممارسة حقها الدستوري المتمثل في الإضراب وإنّ الحكومة تحاول تنزيل هذا المشروع لمنع ما يسمى التنسيقيات، مثل تنسيقية المعلمين أو المتدربين أو الطلاب الأطباء وهذه التنسيقيات نظمت في أوقات سابقة إضرابات استمرت أسابيع، وهو ما جعلها تحقّق عدداً من مطالبها، وتضمّ هذه التنسيقية ممثلين عن العمال، وتقوم بالإعلان عن المطالب وتاريخ الإضراب وتدخل في حوار أحياناً مع الحكومة. فيما تؤكد الكونفدرالية الديمقراطية للشغل أن هذا مشروع "يفرض شروطاً جديدة لممارسة حق الإضراب، ويفتح المجال أمام الانتهاكات الصارخة للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للعمال والعاملات".

وبالعودة إلى الدستور المغربي، وبحسب الفصل 29 فإنّه ينصّ علي التالي: "حريات الاجتماع والتجمهر والتظاهر السلمي، وتأسيس الجمعيات، والانتماء النقابي والسياسي مضمونة" ويحدد القانون شروط ممارسة هذه الحريات، حق الإضراب مضمون، ويحدد قانون تنظيمي شروط وكيفيات ممارسته، فيما مشروع قانون الإضراب يتكون من 49 بنداً حيث ينصّ في المادة 5 على أن "كل دعوة إلى الإضراب خلافا لأحكام هذا القانون التنظيمي تعتبر باطلة، كما يعتبر كل إضراب لأهداف سياسية ممنوعا" وحسب المادة 7 منه، إجراء مفاوضات بشأن الملف المطلبي للعمال قبل خوض الإضراب، وذلك قصد البحث عن حلول، ويضيف أنه في حالة تعذر المفاوضات أو فشلها يتعين بذل جميع المساعي اللازمة لمحاولة التصالح بين الطرفين و في حالة الإضراب فيمنع على المضربين حسب المادة 13 ، عرقلة حرية العمل خلال مدة سريان الإضراب، ويمنع عليهم احتلال أماكن العمل أو مداخلها أو الطرق المؤدية إليها. بالإضافة الى ذلك، يمنع مشروع القانون هذا، العمال المشاركين في الإضراب في حال توقف مؤقت عن العمل خلال مدة إضرابهم، يمنعهم من الاستفادة من أجرهم طيلة مدّة الاضراب. والانكى من ذلك، أنّه وبعد إنهاء الإضراب أو إلغائه بمقتضى اتفاق بين الأطراف المعنية؛ فإنّ قرار المضيّ بإضراب جديد دفاعاً لن يكون مسموحاً به الاّ إذا انقضت سنة على الاقلّ!

ختاماً، لا يجب أن ننسى أنّ بعض المناطق في المغرب لا تزال تشهد حركة احتجاجات كان أبرزها الاعتصام المفتوح في بلدة بني تجيت حيث ينفّذ هناك عائلات المعتقلين اعتصاماً أمام مقر قيادة بني تجيت، وذلك احتجاجاً على الأوضاع المزرية ودفاعاً عن الحق في الشغل والصحة والسكن اللائق. وقد اتهمّ بعض الناشطين السياسيين المواكبين لهذه الاحتجاجات الحكومة بأنها تقوم باستغلال جائحة كورونا لتمرير مشروع القانون المثير للجدل، واعتبروا أن الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي تمرّ بها البلاد في ظل حالة الطوارئ الصحية، تقتضي سنّ قوانين تناسب المرحلة وأنّ هذا القانون يستهدف أبنائهم وكلّ أبناء الوطن لأنه يسعى الى ضرب الحقّ في الشغل والذي بدوره يُعد الضامن الوحيد لنيل حياةٍ كريمةٍ.