تكتّل طلّاب الجامعة اللبنانية: ماذا أنجز وماذا بعد؟

أُفقرت الجامعة اللبنانية، من كلِّ مقوّمات الاستمرار والتقدّم، فقد نهشت سياسات الدمار من موازنتها، حجّمت كفاءاتها، لا بل تمّ إقصائها من خلال التوظيف الانتخابيّ والمحاصصة الطائفيّة. كما ذهب الإنفاق بعيداً عن بنيتها التحتيّة ومختبراتها البحثيّة. هذا وقد سعت السلطة جاهدةً إلى قمع كلّ الحركات المطلبيّة والنقابيّة. إلّا أن ما تعاني منه الجامعة مؤخّراً أصبح بحجم مهزلة. والمخزي أكثر، هو لجوء الإدارة إلى بدع الجمعيّات الخيريّة كإنشاء صندوق تبرّعاتٍ يتبجّح من خلاله المسؤولون عبر " تنفيع جماعتهم "، هذا عوضاً عن مطالبة الدولة بزيادة ميزانيّة الجامعة وتحميلها مسؤوليّة مصير الطلّاب كما وتفعيل المادة 34 المتعلّقة بالمنح الاجتماعيّة المنصوص عليها في النظام الداخليّ للجامعة. كلّ هذه الظروف لا بدّ لها من أن تمهّد لنشوء حركة طلابية رافضة لسياسات هذه السلطة، وعلى رأس هذه الحركة برز "تكتل طلاب الجامعة اللبنانية".

فما هو هذا التكتل؟ وما أبرز مطالبه وإنجازاته؟
التكتل هو تجمّع طلابي وطني مستقل، يضمّ طلاب وخريجي الجامعة اللبنانية من كافة الفروع والكليات، والمعاهد. وهو يَعنى بقضايا أهل الجامعة والطلاب خصوصاً، ولا سيّما الفئات الأكثر تهميشاً، سعياً إلى جامعة وطنية منتجة مستقلة ومجتمع عادل..!! أصبح، تكتل طلاب الجامعة اللبنانية اليوم متميّزاً، فهو لعب دوراً كبيراً في محاربة سياسات السلطة الفاسدة، وهو مستمرّ بنضاله لتحسين واقع الجامعة اللبنانية. وللإضاءة أكثر على أبرز التحرّكات التي قام بها التكتل نقتبس من بيان للتكتل نفسه صدر ضمن " اعلان طلاب لبنان " في 12 كانون الاول 2020، وورد فيه:" لقد خضنا في تكتّل الطلّاب منذ تأسيسه المظاهرات والإضرابات والمسيرات والنّدوات والمحاضرات التثقيفية والسياسية والأكاديمية، بدءاً من إضراب الأساتذة في ربيع ٢٠١٩ تضامناً مع مطالبهم المحقّة في ظلّ محاولات السلطة، متمثّلةً بإدارة الجامعة والمجالس الطلابية التابعة، إلى إعادتنا للصفوف، وصولًا إلى ١٧ تشرين حيث كانت لنا خيمة في رياض الصلح رفعنا فيها مطالبنا الطلابية خاصّة وخضنا فيها النقاشات المتعلّقة بالجامعة والوضع السياسي والاقتصادي في البلاد، وقد كنّا من الداعين والمنظّمين للمظاهرات الطلابية في حرم الجامعة في فروعها المختلفة وأبرزها مظاهرة مجمع الحدث (أو مجمع الشهيد فرج الله حنين الجامعي كما يحلو لنا تسميته) التي حشدت آلاف الطلاب الرافضين لواقع الجامعة الحالي."
إذاً، فاليوم، وبعد سنتين من المراكمة، والنضال، أصبح التكتل يشكّل حركة طلابية لا يستهان بها، فهو كسر كلِّ الحواجز التي سعت السلطة السياسية إلى تكريسها منذ ٣٠ سنة، إذ يضمّ التكتل اليوم طلاباً من جميع الطوائف والمناطق، فهم تقدّميون في خطابهم، مدركين للأزمة الجامعة اللبنانية والوطن ككلّ، وربطها بسياسات السلطة وطبيعة النظام. فمطالبهم واضحة، بدءاً من الإستقلالية الإدارية بوجه سياسات هذه السلطة، ورفع موازنة الجامعة اللبنانية، بالإضافة إلى المطالبة بإجراء إنتخابات طلابية عادلة بوجه "سلبطة" المجالس الطلابية، مع تعديل القانون الإنتخابي، أيضاً المطالبة بمجانية التعليم. لعلّ تلك الرسوم تعتبر " رمزيّةً " للبعض، إلّا أنّ خدمة التعليم المجانيّ هي واجب على الدولة تأمينه. وإن كان الطالب يدفع الرسوم المتوجّبة عليه، فإنّه بالمقابل لا يحصل على حقوقه المستحقّة من بنى تحتيّة مستوفية الشروط وتعليمٍ سليم ومناهج متطوّرة. وما كان يعتبر " رمزيّاً " و "قيمة لا تذكر "هو في الحقيقة يفوق قدرة الطالب المُفقَر على الدفع فواقع إنّ الطلّاب اليوم عاجزين حتّى عن تسديد رسوم التسجيل في مشهدٍ متكرّرٍ ومتزايدٍ من سنة إلى أخرى أصبح يشكّل تهديداً واضحاً في قدرة الجامعة على الإستمرار. فما بالنا من وضع الطلاب وأسرهم في ظلّ الأزمة الاقتصادية المتفاقمة..!! في دولة اللّاعدالة يكون الحدّ الأدنى " رمزيّاً " والتعليم حكراً على " المفضلين ". و بنظر التكتل، هناك ضرورة اليوم، لبناء جبهة طلابية، ضمن إتحاد طلابي جامع، لتوحيد جهود الطلاب والطالبات من أجل تحقيق كلّ مطالبنا في ظلّ هذه الأزمة، فالتكتل يقدّم النظرة الأكثر جذريةً لواقعنا إنطلاقاً من الواقع الطبقي، لأنّ الجامعة اللبنانية تضمّ الشريحة الأكبر من الفئات المهمّشة في المجتمع.
إضافة إلى ذلك، يشدّد التكتل على تكامل نضالهم طلّاباً أساتذةً وموظّفين، وإلى مزيدٍ من التشبيك ووحدة الصفّ من أجل العلم، الحريّة، والعدالة الاجتماعيّة. وأتى فوز الأساتذة المستقلين في انتخابات مندوبي رابطة أساتذة اللبنانية كمؤشر هام لاستعادة الرابطة دورها في سبيل النضال من أجل حقوق ومصلحة الجامعة. وكانت الرابطة قد تجذّر موقفها في إضراب الخمسين يوماً خلال عام 2019، حيث تمكنّت في مراحل معيّنة من كسر سلطة المكاتب التربوية، وحرّر الأساتذة من العلاقة الزبائنيّة.
تأسيساً على ما تقدّم، باتت الحاجة ملحّة لمحاولة إنقاذ ما تبقّى من الجامعة في ظلّ الإنهيار الاقتصادي الذي ترزح تحته البلاد. وفي هذا الإطار، ينبغي على الإدارة تحمّل مسؤوليتها والسعي لتأمين الدعم المطلوب ورسم الآليات الواضحة والشفّافة التي تضمن حقّ الطالب بالتعليم. إنّ المعركة الطلابية - الحقوقية التي يخوضها التكتل راهناً لا يمكن فصلها البتّة عن معركة أوسع ألَا وهي تغيير هذا النظام الطائفي البائد وذلك يمرّ حتماً عبر بناء اقتصاد منتجٍ وإرساء ثقافة وطنية شاملة.