نظام الذل

يوماًبعد يوم، واستحقاق خلف استحقاق، تثبت خلالهم السلطة اللبنانية مدى تعفّن وتخلّف نظامها. بالأمس أقيم استقبال الأبطال لشخص لم تسقط عنه تهمة التخابر للولايات المتحدة وأجهزتها الاستخبارية. ما هذا الدرك الذي وصلنا اليه؟ هل يعلم رئيس الجمهوية بأن لنا مواطن لبناني مقاوم محتجز ظلماً وعدواناً في السجون الفرنسية، وبأمر من مشغّلي الذي توسّطتم لدى الإيرانيين كي يطلقوا سراحه؟ إن إذلال المناضلين في هذا البلد هو الهواية الأحب إلى قلب السلطة، أمّا تكريم العملاء فهو أقدس الأقداس بالنسبة لهم.

ولكن تاريخ الشعوب ما رحم خائناً وعميلاً. من يلقي نظرة شاملة على الواقع اللبناني سيرى تخبّطاً شاملاً لم تمرّ به البلاد منذ سنوات طويلة. ويشير هذا التخبط إلى عمق الأزمة التي يمرّ بها هذا النظام المتخلّف. فعلى مستوى العلاقات الخارجية، ونتيجة لكون السلطة الحاكمة تضمّ الأطراف التي تمثل كل المحاور في المنطقة والعالم وبكل تناقضاتها، فإن هذه السلطة غير قادرة على حسم موقعها في ما يخطّط لمنطقتنا. فمن جهة يتمنّى البعض (وطبعا يسعون) لأن يكونوا جزءاً من "صفقة القرن" الترامبية، وهم جزءٌ لا يتجزأ من مشروع تصفية قضايا منطقتنا وعلى رأسها القضية الفلسطينية. وقد كان هؤلاء أنفسهم أتباع وعملاء المستعمر على مرّ السنين. ينفّذون أجنداته ويأتمرون بأوامره ضد مصالح شعوبهم. أمّا القسم الآخر من السلطة، والذي ينتمي الى المحور المعادي للأمريكي، فهو يقف عاجزاً أمام تكوينة النظام الطائفي اللبناني والذي هو جزء من تكوينه هذا. لذا، ترى رئيس الحكومة يعبّر عن موقف ملكه السعودي في قمة "مكّة"، والذي هو موقف الولايات المتحدة و"إسرائيل" طبعاً، وعندما يعود الى لبنان، يقول بأنه التزم "النأي بالنفس". نعم، أن تنأون بأنفسكم عن كل ما يجلب العزّة والكرامة، وتنغمسون في كل ما يجلب الذلّ. أمّا على المستوى الداخلي، تستخدم السلطة أسلوبها المعتاد في المماطلة وعدم الاكتراث لصوت الناس. فمن جهة، لم تقرّ الحكومة والمجلس النيابي الموازنة حتى الآن، مراهنين على الوقت الذي يظنون أنه سيهدّئ الناس. في المقابل، لا يزال القضاة مستمرين بإضرابهم وكذلك أساتذة الجامعة اللبنانية وطلابها رفضا لبنود الموازنة التي اختارت الحكومة أن تكون تقشّفية معادية لمصالح الأكثرية الساحقة من الشعب اللبناني، ومنحازة بالكامل لمصالح الطغمة المالية، سلطة ومصارف.

# موسومة تحت :
  • العدد رقم: 359
`


النداء