بين التشاؤم، ودروس التاريخ، والمهام

في واقع الحزب ما قبل المؤتمر، ومنظومة العلاقات التي تحكم حياته وانعكاسها على وعي الشيوعيين أنفسهم، وما يحصل اليوم متمثلاً بالآراء المتخالفة والمتعارضة وارتفاع حرارة الحياة الداخلية الذي يتخذ غالباً منطق المجموعات المتقابلة، يرى البعض بأنه مبعث على القلق والتشاؤم و"تشرذم" الحزب، وبالتالي كونه "غير سليم". وبالفعل يفترض بالحزب الثوري أن يعبر عن جسم واحد منظم منضبط. ولكن حتى يصل إليها عليه أن يكون أولاً عقلاً واحداً، أقله بالرؤى الأساسية للواقع والبرنامج.

الدروس التاريخية العامة والخاص الحزبي
ليس جديداً في التاريخ أن تمر الأحزاب في هكذا مراحل عند التحولات الاجتماعية الكبرى وتحت ضغطها. ولكن الأهم أن تصل هذه الصراعات أو التفاعلات إلى النتيجة الضرورية، أي قراءة موحدة لواقع جديد، والأهداف المطلوب تحقيقها والمهام. إذا إن ظرف الحزب الشيوعي اللبناني طبيعيّاً بالمعنى التاريخي. إن سببه الأساس هو عودة الحركة الاجتماعية للتصاعد على ضوء الأزمة العالمية وانعكاسها في لبنان والذي انعكَس حزبيّاً بتصاعد للحركة التنظيمية بحدّة. وبسبب الركود في العقد الماضية، التي كان فيها الحزب "يؤكد على وجوده" (حسب لينين) أكثر ممّا يخوض فعلاً تغييريّاً سياسيّاً، ولأنه كان يتم تسيير حياته بشكل إداري محافظ، منع أن تكون حالة الحزب الفكرية-السياسية ناضجة. ولهذا كان الحزب مليئاً بتناقضات عديدة لناحية الأفكار والمرجعيات. وبسبب حالة الركود (كما أغلب الأحزاب الثورية في حالة تراجعها) لم يكن ظاهراً على السطح عدم وجود وحدة فكرية وسياسية، بالمعنى المنهجية الفكرية السياسية للتحليل، حتى لو كان هناك اتفاقاً عاماً على قضايا عامة قد تعتبر من البديهات في أي حزب شيوعي، كالموقف من الرأسمالية والنظام الطائفي والاحتلال! وما إن تحركت الحياة الداخلية للحزب، وتحديداً بعد المؤتمر الحادي عشر الذي كان باباً، برز ما كان بالأمس تحت السطح وغير ذا وزن على اتجاه الحزب العام.
ما يعيشه الحزب اليوم إذا هو تعبير عن مكنونه السابق، كتيارات "متعايشة" جنباً إلى جنب، وهذا له أساس اجتماعي طبقي وسياسي. فالحزب معبّر بالنهاية عن قوى طبقية مختلفة، وهو ما يؤسس لاتجاهات فكرية أيضاً مختلفة، محدودة بمحدودية الموقف الطبقي الذي قد يحدد الرؤية والحدود ونوعية العلاقة التي تربط الفرد بواقعه وبعملية التغيير ثانياً. دون أن ننفي أن أغلبية هؤلاء هم من المتضررين المباشرين نتيجة النظام التبعي المشوه والمتعفن، والضرر مادي اقتصادي، ومعنوي روحي. ولكن النسبي والفروقات بين هذه القوى يؤدي لاختلاف في منهجية التفكير وعقلية الممارسة. وهنا أيضاً لا يختلف الحزب الشيوعي اللبناني عن أي حالة تاريخية لأيّ تنظيم ثوري. وهذا ما يؤثر على جوهر هذا الاختلاف في الممارسة والمنهجيات. السبب الآخر هو عدم نضج البحث العميق في المسائل الفكرية والسياسية خلال العقود الماضية. وهو ما يؤثر اليوم على شكل (إذا ما كان السبب السابق يؤثر بجوهر الخلاف) الخلاف الحاصل ومدى نضجه.
خلاصات سريعة
ليست الحالة إذاً غير سليمة بالمعنى التاريخي، ولا تدفع للتشاؤم المطلق أيضاً. فالصراع والتفاعل يعبر عن حياة. ولكن هذا لا يعني أن كل صراع قد ينتج إيجاباً. وما يحدد مصير هذا الصراع والحركة عاملين محددّين أساسيين. الأول هو: طبيعة الطروحات المتقابلة. فإذا ما كانت الخلافات بالعمق وجوهرية ولم يتم حلها إيجابياً فهي لن تدفع بالحركة للتقدم النوعي، بل سيتحول الارتفاع بحدة الحركة الدخلية إلى تباعد اكثر، وهو قد يدفع إلى تفكك أكثر. وحلّها الإيجابي لا يكون بتجاهلها، بل استكمال بحثها الذي يبدو أن التحضير للمؤتمر لم يكن كافياً لحدّ الآن من أجل بحثها المعمق، ولا ننفي أن إضافة جديدة لعناوين معينة كانت غائبة عن الحياة الفكرية للحزب، ولكن دون الحزب الموقف منها. أمّا العامل الثاني المحدد لمصير هذه الحركة هو مدى جدية القوى في خوضها هذا البحث، فالتوتير السلبي للأجواء من جهة، والعمل "التآمري" (حسب لينين) لن يكون في مصلحة هذا البحث. خصوصاً أنّ تسارع المرحلة وتعقدها ليس عاملاً في صالح استمرار حالة الميوعة الفكرية-السياسية.
المهام الملحة
في "المهمات الملحة لحركتنا" يقول لينين: ليس الحزب أداة تحريض ودعاية فقط، بل "مهمته الأساسية والرئيسية هي: المساعدة على تطوير الطبقة العاملة سياسيا وعلى تنظيمها سياسيّاً". كان حراك النفايات أحد المجالات للصلة المباشرة مع الناس (لا زالت حالات برجا وطرابلس مثلاً، دلائل على أهمية الارتباط بهكذا قضايا)، ولكنه لم يستكمل بالشكل المطلوب. والمهمة الأخرى هي "تمثيل ملامح الحركة بمجملها" محليّاً وعالميّاً (وهو ما لم يحسم بعد علمياً، بل عبر طروحات متسرعة وتزمتيّة). لكي يقدر الحزب على المساعدة بتنظيم الحركة الشعبية واستمالة القوى الحية فيها عليه أن يعرف جديدها وأعمق طموحاتها وينطق بلسانها.

  • العدد رقم: 365
`


محمد المعوش