ترامب يعاقب الجامعات الأميركية التي تتبنّى مقاطعة "إسرائيل"

حملت صفقة القرن، منذ انطلاقتها في مؤتمر الرياض في أيار عام 2017 بدعوة من السعودية وحضور أكثر من خمسين دولة عربية وإسلامية، والذي كان عرّابها ترامب وصهره كوشنير، شعارَ قيام تحالف إقليمي في المنطقة ضدّ الخطر الايراني المزعوم. في حين أنّ الغاية الرئيسية المبطنة، تصفيةُ القضية الفلسطينية، لإنهاء مسألة الصراع العربي- الإسرائيلي، وتأمين التفوّق الأمني والسيطرة العسكرية للكيان الغاصب. وتلعب دولة الاحتلال الغاصبة دوراً فاعلاً ومحرّكاً أساسيّاً، في عملية درء هذا الخطر الداهم المتمثل بإيران كما تمّ تصويره، على الأنظمة الرجعية العربية والإسلامية وخاصة الخليجية منها.

وتتلخّص استراتيجية العدو الصهيوني بالعمل على مسارين. الأوّل، بالتفاوض مع منظمة التحرير سرّاً، وبحال تمّ الاتفاق مع الفلسطينيين تنطلق بعدها إلى سائر البلدان العربية. وإمّا بالاتفاق مع البلدان العربية ومنظمة التحرير الفلسطينية وبسلة واحدة ومجتمعة، لتنتهي بذلك القضية الفلسطينية، ويجري التطبيع معاً. كل ذلك حدث برعاية أميركية حيث اعتبرت منظمةُ التحرير الإدارةَ الأميركية هي الراعي الوحيد للمفاوضات. ولنفس الغاية عُقِد عام 1991 مؤتمر مدريد الذي حضرته الدول العربية بعد أن تمّ سحب قرار الأمم المتحدة باعتبار الصهيونية الوجه الآخر للنازية، بطلب من العدو الصهيوني كبادرة حسن نية، ولمّا لم يفضِ مؤتمر مدريد إلى شيء، في حين أنّ المفاوضات السرية نجحت بين منظمة التحرير الفلسطينية والكيان الصهيوني في أوسلو، فكان الاتفاق المشؤوم الذي شهدنا على مفاعيله وتداعياته الكارثية.

بعد الاتفاق مع الجانب الفلسطيني، وهم أصحاب القضية والمعنيّون الأساسيّون بها، انطلق العدو الصهيوني في اندفاعته للتطبيع مع دول عربية وفي مقدمتها الدول الخليجية، واستهلّها بالأردن لينضم بذلك إلى مصر.
استنفد الاحتلال الغاصب كلّ مفاعيل اتفاق أوسلو، وراوغ وتملّص من استحقاق الحلول الدائمة، على مدى أكثر من 25 عاماً. جاءت صفقة القرن، حيث انتقل العدو الصهيوني والإدارة الأميركية إلى استراتيجية جديدة، عنوانها صفقة ترامب - نتنياهو التي تهدف إلى تصفية القضية عبر التطبيع مع العدو الصهيوني والفرض على الفلسطينيين، ما يقدّم لهم: إمّا حكم ذاتي وإدارة محلية أو الوصاية المصرية لغزة والأردنية في الضفة أي كونفدرالية، مع إقامة إمارة غزة بعد اقتطاع جزء من صحراء سيناء وضمّه إليها، وإغداق الأموال على الضفة والدول العربية المجاورة بحصص متفاوتة لتجنيس فلسطينيّي الشتات.

الإدارة الأميركية وتصريحات وقرارات ترامب التي كادت أن تكون أسبوعية، تهدف إلى إزالة المعوّقات أمام الإعلان الرسمي أو السياسي للصفقة، وبالتالي لتنفيذها في أسرع وقت، ولا سيّما أنّ الاستحقاق الانتخابي للرئاسة الاميركية بات على الأبواب.

وإذا كان الكونغرس قد رفض إعطاء ترامب مبلغ 184 مليون دولار ثمن التغطية الدبلوماسية للصفقة كما أسماها، إلّا أنّنا نعرف أنّه سيتوجّه إلى السعودية لضمان الحصول على المبلغ المذكور، خاصة وأّنّها عرّاب هذه الصفقة.
وفي هذا الإطار أيضاً، أصدر قراراً تنفيذيّاً يقضي بقطع المساعدات المالية ومعاقبة الجامعات الأميركية التي تنتقد الصهيونية أو ما يُسمى "دولة اسرائيل"، واعتبارها معاداة للسامية حسب زعمه، أمّا الغاية من هذا القرار فهو التضييق على الطلاب العرب والفلسطينيين والمنظمات والحركات الشبابية والطلابية التي تدعم الشعب الفلسطيني وتؤيّد حقوقه ضدّ السياسات العنصرية التي ينتهجها العدو الغاصب.

ناهيك عن قرارات أخرى سابقة، من الاعتراف بالقدس عاصمة ولدولة يهودية، وتشريع كل المستوطنات الصهيونية التي قامت على الأراضي الفلسطينية، وصولاً إلى قرار الاعتراف بضمّ الجولان السوري المحتل، وزاد عليه نتنياهو بطلب ضم غور الأردن وساحل البحر الميت.

الشعب الفلسطيني وفي اليوم العالمي للتضامن مع حقوقه، وبفضل نضاله وانتفاضته المجيدة، انتزع بالدم والكفاحية، عدّة قرارات من الشرعية الدولية والأمم المتحدة، كقضية حق تقرير المصير، والتأكيد على حق العودة، وتفويض وكالة الغوث والتمديد لها، والأهم من ذلك اعتبار القدس جزءاً لا يتجزّأ من الأرض الفلسطينية المحتلة، ناهيك عن بطلان قرار ضمّ الجولان إلى الكيان الصهيوني. إلّا أنّ المعركة مع العدو الغاصب شرسةٌ ومستمرة، وليس أمام الشعب الفلسطيني سوى متابعة النضال والاستمرار بالانتفاضة حتى تحقيق كل أمانيه وتطلّعاته وعلى رأسها تحرير فلسطين، كل فلسطين.