شبح الشيوعية يعود من الشرق

الإنسان أثمن رأس مال في الوجود... (كارل ماركس).
ليست صدفة إطلاقاً أن تأتي ذكرى 137 عاماً على رحيل "كارل ماركس" أعظم مفكر في التاريخ (كما وصفه رفيق دربه فريديريك أنجلز في خطاب الوداع الذي ألقاه أمام ضريحه) بعد أن توقف عن التفكير في 14 آذار من عام 1883، كما ليست صدفةً أيضاً بعد مرور 172 عاماً على ظهور "البيان الشيوعي" (طبع في شباط ونشر في آذار عام 1848)، وفي الوقت الذي ننتظر فيه الإعلان الرسمي لجمهورية الصين الشعبية (الشيوعية) انتصارها على عدو البشرية المستجد "فايروس كورونا" في الأيام القليلة القادمة،

بل هو مسار تاريخي عُمّد بتضحيات جمّة وعلى مدى سنوات من العمل الجاد والنضال دفاعاً عن الإنسان وحمايته وتمكينه، وتحريره من الإستغلال الذي أوقعت به الرأسمالية العالمية منذ عقود...
في الذكرى السنوية المائتين لمولد كارل ماركس 2018، جدّد الرئيس الصيني شي جين بينغ الولاء للمبادئ التأسيسية للشيوعية عندما قال في خطابه الذي ألقاه في قاعة الشعب الكبرى بالعاصمة بكين: "لا توجد في تاريخ الفكر البشري بأسره فكرة أو نظرية أشمل أو أعمق أثراً من الماركسية"، واصفاً كارل ماركس بأنه أعظم مفكر في العصر الحديث..
قبل إعلان جمهورية الصين الشعبية عام 1949 بقيادة المؤسس والمعلم ماو تسي تونغ كانت الصين بلداً متخلفاً أكثر من روسيا عام 1917. وقد سبق هذا الإعلان أعواماً من الحراك الثوري لم ينتهي بإعلان الجمهورية في هذا التاريخ فحسب، بل أن استلام السلطة لم يكن إلّا تعبيراً عن الثورة السياسية، وهذه ليست غير العنوان للثورة الحقيقة، أي الثورة الثقافية والاقتصادية، وهذه الأخيرة ليست غير السابقة للثورة الحاسمة، أي الثورة العالمية، بها يتحرّر العالم كله. وهنا يتضح أن الثورة الإشتراكية في بلدٍ متخلّف لا تستطيع أن تحيا إلّا ضمن شروط نجاحها في الإنتاج والتحديث والاستناد إلى الأسس العلمية والفكرية المتقدمة التي عمادها الأساس الفكر الماركسي. وهكذا فعلت الصين ووصلت إلى ما وصلت إليه اليوم من التقدم والتطور وعلى كافة المستويات في الإقتصاد وعلم الإجتماع والفلسفة والعلم وطب وفي الصناعة والتجارة وحتى في السياحة أساليب الترفيه، كما سخرّت التكنولوجيا لخدمة الإنسان لا للإحلال مكانه كما تفعل القوى الإمبريالية والأوليغارشية العالمية، متوعدةً بغدٍ أفضل وأكثر عدالةً وأمناً ورفاهاً للبشرية جمعاء.
وهنا، لا بدّ من الإشارة إلى أن الثورة العالمية في نظر الماركسيين الصينيين تقوم بدورها على الاستعجال في هدم الرأسمالية، باعتبار أن الثائرين لا يستطيعون أن ينتظروا كمشاهدين صبورين إلى انهيار الرأسمالية (بعكس السوفيات الذين اعتبروا أن التعايش السلمي هو الوسيلة الوحيدة التي تفرض نفسها في انتظار أن تتفكك الرأسمالية من داخلها)، وهذه إحدى الأسباب التي أدت إلى الخلافات في ما بينهما وصولاً إلى العداء عام 1963. وفي ذلك الحين بدأت الصين بوضع خطتها القائمة على ثلاث نقاط أساسية:
1- يجب أن تنمي البلدان الإشتراكية قوتها لكي تجعل الإمبريالية مترددة على كل الجبهات.
2- إن الجماهير الكادحة في الدول الإمبريالية يجب أن يعملوا لإضعاف الرأسمالية القومية بإثارة إنتفاضات ثورية.
3- على الشعوب التي تستثمرها وتضطهدها الرأسمالية أن تناضل لإحراز استقلالها الإقتصادي وبناء دول اشتراكية.
يرد في كتاب "يوم تنهض الصين.. يهتز العالم" للسياسي الفرنسي آلان بيرفيت، عبارة لماو تسي تونغ متوجهاً بها لشعبه ورفاقه في الحزب الشيوعي الصيني: "علينا أن نكون مستعدين، فطريقنا طويل، وما زال أمامنا الكثير من المشقات والمصاعب، ولكننا حتماً سنصل". وشعار "القفزة الكبرى إلى الأمام" التي أطلقه الحزب الشيوعي الصيني سنة 1958 لم يكن إلّا تأكيداً على المضي قدماً نحو الهدف المنشود، أي تحرير العالم من التخلف والاستبداد والإستغلال التي أحدثها النظام الرأسمالي العالمي، والسير نحو التقدم والرقي وتحسين الظروف المعيشية للبشرية جمعاء. وما رمز "السلحفاة المتطلّعة نحو ساعة الزمن" الموجودة على مدخل "القصر الإمبراطوري" أو "المدينة المحرّمة" في بكين الذي يعني أن الصين تتجه إلى المستقبل ببطء وثقة، إلا دليلاً على التزامها بما تعهدته أمام مواطنيها وأمام العالم. منذ ذاك الحين وبهذه الروح الصبورة انطلق التنين الصيني محلقاً حتى أصبح "ولو استباقاً للزمن الآتي" أعلى من النسر الأمريكي المتربع على عرش العالم الرأسمالي. فبعد أن حقق الصينيون جهداً جباراً في بناء جمهوريتهم العظمى وبناء إقتصادها الضخم والمتعاظم في توسّعه، وبعد التجربة الناجحة في السيطرة على انتشار فايروس كورونا، ها هي اليوم تتجه بخطى ثابتة نحو نقل تجربتها إلى العالم لمساعدة الشعوب ومواجهة هذا التهديد انطلاقاً من مبادئها الإنسانية والأخلاقية والتي هي عماد الفكر الماركسي اللينيني، وفي طريقها هذا سوف تقضي على الرأسمالية بالضربة القاضية.

# موسومة تحت :
  • العدد رقم: 375
`


شادي الأيوبي