العيدُ أن نفرحَ، والفرحُ أن نجعلَ الوطنَ وطناً.. *

 

      أولُ أيار عيدُ الوطن، لأنه عيدُ الذين يصنعون تاريخَ الوطن: أمْسَهُ، ويَوْمَهُ، وَغَدَهُ..

      ما كان أولُّ أيار عيدَ كلِّ عمالِ العالم، وكلِّ الكادحين في العالم، لو لم يكن عيداً وطنياً لكلِّ شعبٍ من شعوبِ العالم...

     الصفةُ الأمميّةُ لعيدِ أولِ أيار، لا يمكنُ أن تأتيَه من خارج الصفة - الأساس لمعنى الأمميّة، أي لا يمكنُ أن يكونَ عيداً أمميّاً لو لم يكن داخلاً في عمقِ الوطن، وثابتاً في رحَمِ الترابِ الوطني..

***

      الوطنيةُ أمميّةٌ بجوهرها، ما دامت الوطنيةُ السليمةُ تعني انغراسَ العمالِ وسائرِ الكادحين في أرض وطنٍ بعينه وفي صيرورةِ الإنسان مع هذه الأرضِ ذاتِها، متفاعلاً ومتكاملاً معها قبل أن يتفاعلَ ويتكاملَ معَ أيةِ أرضٍ غيرِها في كلِّ جهات الكون..

      إن الانغراسَ هكذا، يعني الامتدادَ حتماً، في خارطةِ العالم، أي في شرايينِ الجسَدِ الواحد لأرض الإنسان، وأعني هذا الإنسانَ التاريخي الذي يصنعُ من مادةِ هذا العالم تاريخاً للبشرية واحداً، يتعدّد داخل وحدته ولا يتجزّأ، يتواصل كلُّ وطنٍ منه مع كلِّ وطنٍ آخرَ ولا ينفصل، يتفاعلُ كلُّ جانبٍ منه مع كلِّ جانبٍ آخرَ ولا ينعزل.. لا يتجزّأ، ولا ينفصل، ولا ينعزل، رغم كلِّ الحدودِ والتواصلِ والحواجزِ التي يصطنعُها أعداءُ الأوطانِ والشعوب، أعداءُ وحدةِ الإنسانِ والعالم...

***

       والأمميةُ وطنيةٌ بجوهرها، ما دامت الأمميةُ الصحيحةُ تعني انطلاقَ العمالِ وسائرِ الكادحين من أرض وطنٍ بعينه، كي يجعلوا من كلِّ الأوطان عالماً واحداً تتعانق فيه وتتوحّدُ مصالحُهم الوطنيةُ والطبقيةُ معاً، بقدر ما تترابطُ وتتلازمُ قضيةُ التحرّر الوطني لكلِّ واحدٍ من أوطانهم، مع قضية التحرّر الاجتماعي لكلِّ شعبٍ من شعوبهم، ثم مع قضيةِ الأمان الدائم الشامل لكلِّ البشرية من أخطار الحروب وكوارثها...

       وليس مقبولاً في فكر الأممية البروليتارية، إطلاقاً، أن لا يكونَ هذا المنطقُ الوطنيُّ أساساً لها، وممارسةً كفاحية، ومبدأً أوليّاً في أخلاقية الطبقة العاملة وفي مُثُلها العليا وفي إيديولوجيتها الثورية الطليعية..

***

       في لحظتنا الاستثنائية هذه، يأتينا العيدُ حاملاً هدايا الفرح مصرورة، مختومة، يلوّح بها لنا تلويحاً ولا يسمحُ لقلوبنا أن تعانقها.. كأنه يشترط علينا أن لا نفرح إلاّ داخلين في المسافة بين الوطن وحريته، بين الوطن وسيادته، بين الوطن وكرامته، بين الوطن ووحدته، مناضلين مع جماهير شعبنا البطل لردمِ المسافة حتى نقطةِ الصفر، حتى بياض الطهارةِ النقيةِ من كلِّ دَنَس، وحتى استعادةِ الوطنِ حريتَه وسيادتَه وكرامتَه ووحدتَه...

       

***

    - العيد أن نفرح؟..

    -  نعم... لكن، كيف الفرحُ ووَطَنُ الطبقة العاملة اللبنانية: وطننا، ليس وطناً.. لأنه ليس حرّاً، ليس سيّداً، ليس مالكاً كرامتَه، ليس محتضناً وحدتَه؟..

     وطنيةُ الطبقةِ العاملةِ اللبنانية، التي هي الوجهُ البهيُّ النبيلُ الجميلُ لأمميّتها، تستقبل العيدَ هذه المرّة، محتفظةً بهدايا الفرح في يديْهِ مصرورةً مختومة، حتى يتطهّر الوطن من كلِّ أدناس الاحتلال الإسرائيلي...

     وطنيةُ الطبقةِ العاملةِ اللبنانية، وطنيةٌ ثورية، كأمميّتها الثورية وكفكرها الثوري..  فهي - من هنا - لم تأخذْ من فرحِ العيدِ إلاّ فرحَ الدخولِ في عمق النضال الوطني الثوري، كيما يعودَ الوطن لبنان، وطناً.. أي كيما يعودَ حُرّاً، سيّداً، مالكاً كلَّ كرامته، ومحتضناً كلَّ وحدته...

 

***

تحيةً، أيها العيد الوطني - الأممي العظيم...

  تحيةً، طبقتنا العاملة المقاتلة...

       تحيةً، أيها الوطن الذي سيعود وطناً.. سيعود حتماً.. لا بدّ أن يعود.

 

 

مقتطفات من مقالة للشهيد المفكّر حسين مروة بمناسبة عيد العمال العالمي، نُشر في

مجلة "حياة العمال" وجريدة "النداء" العام 1983   

  • العدد رقم: 376
`


حسين مروة