"كورونا السلطة" وترقُّب الانفجار الاجتماعي

  مرَّ عام على وصول جائحة كورونا إلى لبنان، وما زالت السلطة تثبت في قراراتها يوماً بعد يوم فشلها وعجزها على كافة الأصعدة سواء السياسية أو الاقتصادية والاجتماعية، أو التربوية والصحية... لتؤكد للمنتفضين في الساحات آنية وضرورة أن تستنهض انتفاضة 17 تشرين نفسها الثوري، وخلق كتلة شعبية واسعة، لتقف موحّدة في مواجهة هذه المنظومة الحاكمة الفاسدة وتسقطها.
وما قرارات هذه السلطة إلّا خير دليلٍ واضحٍ على تخبّطها، وعدم قدرتها على إدارة البلد ولا سيما بأزماته التي ولّدتها سياسات الحكومات المتعاقبة منذ عشرات السنين حتى اليوم.


أما حكومة تصريف الأعمال فلم تختلف عن سابقاتها، إلّا بالإدّعاء أنها حكومة "اختصاصيين"، ولكن ممارسات وزرائها كانت الشاهد الفعلي على عدم أهليتهم وحتى صلتهم بما يسمى "الاختصاص".
وها هي السلطة في آخر فرماناتها، تخيّر الناس بين الموت جوعاً والموت اختناقاً بالكورونا، لتدفع سياساتها الفوقية المعادية للشعب البلد نحو انفجار اجتماعي واسع.
هي عجزت عن وضع خطة صحية وتأمين المستشفيات والمراكز... صمتت عن المطالبة بإنشاء المستشفيات الميدانية التي جاءت كهبات نتيجة انفجار المرفأ في 4 آب الماضي، تخاذلت في تشغيل مستشفيات مقفلة وأغلبها مجّهزة...
خالت السلطة في تقليدها البلدان المتطوّرة أنها ستحدّ من انتشار جائحة الكورونا. وفرضت الحجر والإقفال العام، ولكن دون أن تقوم بدورها المفترض بوضع خطة صحية واجتماعية.
ودون تأمين أيّة مقوّمات لازمة، سواء من تأمين دعم مادي للفقراء ومعظمهم من العمال والمياومين والمُعَطّلين عن العمل..، أو تأمين تغطية صحية شاملة مجانية.
هذه السلطة لم تتحمّل مسؤولياتها بتغطية تكلفة فحوصات الـ pcr، أو تأمين الكمامات ومستلزمات مجانية ومتاحة. حتى أنها لم تهتزّ لمشاهد المواطنين ينازعون على أبواب المستشفيات ومداخل الطوارئ للحصول على نفس "الأوكسيجين"، ومن استطاع من المرضى الحصول على سرير تُركت عائلته للتخبّط في عمليات البحث عن الدواء...
ناهيك عن ما يتداول حول اللقاح، أو ما يُحاك في غرف التسويات، وكيفية توزيعه. والشأن نفسه يتعلّق بأزمة انقطاع الدواء وحليب الأطفال الرُّضَع...
كلُّ هذا أدّى إلى تجويع فئات واسعة من المجتمع، وإلى فتح باب الاستغلال السياسي للاحتجاجات الشعبية المحقّة. وباتت "كورونا السلطة" أشدّ فتكاً على جميع القاطنين في لبنان من الفيروس نفسه، لأنه قد يكون رحيماً على البعض، بعكس هذه السلطة التي آن لها أن ترحل.

هذا غيض من فيض، عن المنظومة الحاكمة وسياساتها الفاسدة، التي تتملّص من واجباتها وتُصرُّ أن تُحمّل المواطن وحده مسؤولية تزايد عدد الإصابات والوفيات بسبب عدم التزام البعض، وتتجاهل أن نجاح الإجراءات الصحية يرتبط مباشرةً بتقديم الدعم المادي والتغطية الصحية التي لن تقوم بها سوى منظومة حكم بديلة من خارج المنظومة الحاكمة حالياً.


استمرار الاحتجاجات...
عاد المحتجون إلى الشارع، رفضاً للسياسات التجويعية والإفقارية... فها هي الاحتجاجات الشعبية تعود إلى المناطق.

طرابلس...
لليوم الثالث على التوالي ما زالت الاحتجاجات الشعبية مستمرة فيها، حيث نفّذت اليوم وقفات احتجاجية في ساحة النور وأمام مدخل سرايا المدينة.
كما جابت مسيرة راجلة وعلى الدراجات النارية شوارع المدينة عصر اليوم، وأطلق المشاركون هتافات تطالب بـ "محاسبة الفاسدين واسترداد الأموال المنهوبة".

صور...
فقد نفّذ محتجون وقفة احتجاجية في ساحة العلم عند مدخل المدينة، وسط إجراءات أمنية مشدّدة.
ورفعوا شعارات مطلبية ومعيشية دعت إلى "تأمين الحاجات الأساسية للمواطن في ظلّ الحجر المنزلي"، ولافتات ندّدت "بسياسة الدولة التي أدّت الى إفقار الناس، وأخرى طالبت بتجهيز مستشفيات صور وبأجهزة الـ Pcr.
واستنكر عدد من الناشطين "سياسة الدولة التجويعية"، مؤكّدين استمرارهم بحراكهم وتضامنهم مع رفاقهم في المناطق اللبنانية كافة، "حتى إسقاط هذه المنظومة السياسية التي أوصلت البلاد للانهيار". وطالبوا بـ "إعادة الأموال المنهوبة ومحاسبة الفاسدين".

صيدا...
قطع سائقو السيارات العمومية الطريق عند تقاطع إيليا في صيدا صباح اليوم، فركنوا سياراتهم وسط الطريق احتجاجاً على تردّي أوضاعهم بسبب قرار التعبئة العامة وحظر التجوال وفرض محاضر ضبط في حقّ عدد منهم، ما انعكس سلباً على اشغالهم. وطالبوا بإعادة النظر بالقرار والالتفات الى اوضاعهم، كونهم يؤمّنون رزقهم يومياً، في ظلّ أزمة اقتصادية تعيشها البلاد وارتفاع سعر الدولار.

وأيضاً، أقدم محتجون على قطع طريق القياعة بمستوعبات النفايات وأضرموا فيها النيران مساء اليوم، احتجاجاً على تردّي الأوضاع المعيشية، وسط هتافات تدعو للنزول إلى الشارع رفضاً لهذا الواقع من غلاء معيشي وارتفاع سعر صرف الدولار، مضافاً إليه حالة التعبئة بسبب كورونا.
كما تجمّع عدد من المحتجين مساء اليوم عند ساحة دوار ايليا في صيدا تضامناً مع محتجي الحراك في طرابلس، ونفّذوا مسيرة راجلة جابت شوارع المدينة.

بعلبك...
وفي سياق متصل، نفّذ عدد من المحتجين على الأوضاع الاقتصادية والمعيشية والغلاء، اعتصاماً في ساحة الشاعر خليل مطران في بعلبك اليوم، وقطعوا الطرق المؤدّية إلى الساحة لبعض الوقت، وسط تدابير أمنية مشدّدة للجيش والقوى الأمنية.

بيروت
أما في العاصمة بيروت، فجالت مسيرة راجلة في بعض الشوارع يوم أمس، ودعت الناس للنزول إلى الشارع، احتجاجاً على الأوضاع الاقتصادية...
بدورها، أصدرت قيادة بيروت الكبرى- الحزب الشيوعي اللبناني بياناً دعت إلى تنفيذ وقفة احتجاجية في تمام الساعة الخامسة من مساء اليوم الخميس أمام السراي الحكومي (رياض الصلح)، "لكون الحكومة المسؤولة عن كل هذه الملفات، من انهيار قطاع الصحة إلى الداخلية والقمع المفرط إلى الشؤون الاجتماعية والتخلّي عن الناس".
وأشار البيان إلى أن "طرابلس عرّت السلطة في ليلتَين فقط"، وقال "إغلاق كامل دون أي خطة دعم للمواطنين، وعسكرة للمدينة أول ما احتجّ ناسها، كل ذلك والإعلام يحجب حقيقة الصراع ويروّج سرديّة السلطة الرامية إلى عزل طرابلس عن باقي المناطق في لبنان وتهميشها سياسياً واجتماعياً".
ودعا إلى "ضرورة التحرك في كافة المناطق في لبنان، رفضاً للجريمة التي ترتكبها الدولة في حقّنا".


النبطية...
نظّم "حراك النبطية" تحرّكاً احتجاجياً أمام خيمته قرب السرايا للمطالبة بحقوقهم تحت شعار "من حقي عيش بكرامة"، تضامناً مع "حراك طرابلس".
وألقى د. علي وهبي كلمة باسم الحراك وقال: "تحرّكنا اليوم صرخة وجع محقة في وجه السلطة. نقدّر ونُجّل وجع الناس، وجعنا جميعاً على الأراضي اللبنانية كافّة، لكنّنا نلتزم في الوقت عينه.. مسؤوليتنا تجاه التدابير الوقائية الصائنة لصحة شعبنا وخصوصاً المنتفض، ونعلن رفضنا للعنف والقمع الذي حصل في مدينة الشهباء ونؤكّد عدم جواز افتعال تناقض بين الحرص على صحة الناس وحمايتهم من جهة، ودعم الفئات والشرائح الشعبية الكادحة من قبل السلطة المقصّرة من جهة أخرى، ونؤكّد أن الانتفاضة مستمرة وهذا الاستمرار يتطلب التداعي والنقاش والتنسيق بين الساحات للوصول الى آلية جديدة لتحرّكات مقبلة".
ثم انطلق المعتصمون في مسيرة باتجاه تمثال الصباح عند المدخل الشمالي للنبطية.

بيان "ثوار من ساحات الجنوب":
وفي هذا الصدد، أصدر بيان باسم "ثوار من ساحات الجنوب" (ساحة حراك النبطية - ثوار الزهراني - ساحة حراك صيدا)، وجاء فيه "تمعنُ السلطة السياسيّة بكافة مكوّناتها في التخبّط بالخطوات والتدابير المتأخرة التي تلجأ اليها في مواجهة "وباء كورونا"، كما تعملُ على تعميقِ خلافاتها السياسيّة، بما يهدّد الوضع العام واستقرار البلاد. فهذه المنظومة السياسية الحاكمة أكّدت بممارساتها فشلها في إدارة البلاد، وهي مسؤولةٌ عن تدمير مؤسسات الدولة، وتردّي الوضع المعيشي وهدر حقوق الشعب بكافة فئاته وتعميم الفساد.
وفي هذه الفترة مع تطوّر جائحة كورونا، يستمرّ الانحدار السياسي والاقتصادي والاجتماعي في مجتمعنا وتهتزّ ركائز الدولة، الأمر الذي جعل شعبنا أمام واقع معقّد وبالغ الصعوبة يتجسّد في معضلتين:
المعضلة الأولى: تعاظم مخاطر وباء كورونا.
في ظروف تطوّر هذا الوباء، وحجم الإصابات والوفيات الناتجة عنه، يزداد القلق والخوف عند اوساطٍ واسعةٍ من الشعب اللبناني، ذلك أن الدراسات والمناشدات التي يطلقها الباحثون والأطباء تشير بما لا يدع مجالاً للشك، بأن المخاطر ليست حقيقية فقط، بل ذات طابع وجودي يمكن أن تتطوّر إلى ما لا تحمد عقباه عند الانتشار الواسع الذي سيهدّد الشعب، كلَّ الشعب في لبنان، وبذلك يصبح لهذا التطوّر الأولوية ويتقدّم على ما عداه من الأمور.
وهنا يبرز عجز الطبقة السياسية في اعتماد سياسة أو استراتيجية واضحة ذات تدابير متشدّدة ومتدرّجة لمواجهة الوباء منذ بداية ظهوره. ومع إنجاز المؤسسات العلمية والطبية للّقاحات على اختلافها في خطوة متقدّمة لمحاصرة الوباء وتمنيع المجتمع من أخطاره، تُطرح مخاوف المحاصصة والفوضى في عملية التنفيذ.
المعضلة الثانية: نتائج سياسات السلطة السياسية:
لطالما وقف أبطال ونشطاء انتفاضة ١٧ تشرين في وجه سياسة الفساد والإذلال والغطرسة وإدارة الظهر لمصالح الناس حيث عملت السلطة السياسية على قمعهم بأدواتها وباستشراسِ أزلام قواها ...رغم ذلك، ما زال هؤلاء المناضلون يرفعون شعارات المطالبة والمحاسبة واستعادة الأموال المنهوبة والقضاء المستقل ومواجهةِ جشع التجار وفوضى الأسعار وتفلّت المافيا المالية من كلّ قيد، إضافة الى فقدان العديد من الأدوية وأغذية الأطفال.
وفي ظلّ عدم اقتران سياسات الطوارئ ومنها الإقفال العام بدعم صمود الفئات الشعبية الأكثر تضرّراً، من الطبيعي، أن تحصل تحركات شعبيّة من الأوساط التي تعاني من ضيق الحال والعوز ومظاهر الجوع، ولا سيّما في طرابلس، عروس الانتفاضة وغيرها من المناطق اللبنانية.
هذه التحرّكات هي صرخةُ وجعٍ مُحِقّة في وجه سلطةٍ صمّت آذانها عن سماع أصوات الناس.
ونحن إذ نقدّر ونجلّ وجع الناس، وجعنا جميعاً على كافة الأراضي اللبنانية، ونلتزم في الوقت عينه، مسؤوليتنا تجاه التدابير الوقائية التي تصون صحة شعبنا كما صحة المنتفضين، فإننا نعلن رفضنا للعنف والقمع الذي حصل في مدينة الشهباء، ونؤكد على عدم جواز افتعال تناقضٍ بين الحرص على صحة الناس وحمايتهم من جهة، ودعم الفئات والشرائح الشعبية الكادحة من قبل السلطة المقصّرة من جهة أخرى".
ودعا البيان "إلى وقفة مع الذات ومع الأولوية الحالية لمتابعة عملنا بوعيٍ ومسؤوليةٍ بعيداً عن الارتجال والتسرّع حتى تبقى مسيرة الانتفاضة مستمرّة، الأمر الذي يتطلب التداعي والنقاش والتنسيق بين الساحات للوصول الى كيفيةٍ جديدة للتحركات تقوم على الربط بين الدعم والتكافل الاجتماعي والاستعداد لدعوة الناس للنزول إلى الشارع على ضوء بلورة الوضع الصحيّ في البلاد.
إنها مسألة وقت لنعود أشدّ عزيمة إلى الساحات. عشتم وعاشت انتفاضة ١٧ تشرين".