ـ الانقلاب وانتكاسة وضع الحريات...
تعيش الحركة النقابية التونسية على وقع الأوضاع السياسية العامة التي تعيشها البلاد منذ انقلاب 25 جويلية 2021، هذا الانقلاب الذي قام به قيس سعيد ضد المؤسسات القائمة للاستفراد بالحكم مستغلاً الأزمة العميقة التي تردت فيها البلاد نتيجة حكم حركة النهضة وحلفائها لمدة عشر سنوات دون أن تعرف أوضاع الشعب تغيراً إلّا نحو الأسوأ.
فيما يستفاد من التحليلات التي يخرج بها الخبراء الإقتصاديون الوازنون، ومؤدّاها أن أزمة النظام الرأسمالي اللبناني (وهو نظام كومبرادوري أقامه الإستعمار على أساس تحالفات بين زعماء إقطاعيين وطائفيين وبات مرتكزاً على الريع والمضاربات المالية والعقارية منذ سيطرة النهج الحريري الذي دمّر القطاعات المنتجة وأهمها الزراعة والصناعة) أصبحت أزمة مستعصية على الحل بشتى أنواع الوصفات والتدابير الإصلاحية، وأن الحل الوحيد هو إقتلاع هذا النظام من جذوره وبناء دولة قائمة على إقتصاد موجّه تكفل العدالة الإجتماعية في ظل مواطنية حقيقية على أنقاض دولة القطعان الطائفية المستعبدة من زعمائها، ما زلنا نرى، يميناً في الغالب وحتى "يساراً" أحياناً، عزفاً ناشزا لمقطوعات ذات طابع إصلاحي سافر أو مقنّع تستجدي الدواء من أصل الداء.
شهدت بعض الأقطار العربية منذ نهاية 2018 اندلاع انتفاضات شعبية شكلت ما أصبح يسمّى "الموجة الثورية الثانية" التي أتت بعد الموجة الأولى التي اندلعت نهاية 2010 في تونس وعمّت بعض الأقطار الأخرى، ويقع التأريخ لهذه الموجة الثانية انطلاقاً من اندلاع الاحتجاج الشعبي في أكتوبر 2018 بالجزائر ضد العهدة الخامسة التي أراد الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة فرضها رغم إعاقته وعدم قدرته على الحكم، والتي تلتها أواسط شهر ديسمبر اندلاع الثورة الشعبية في السودان رفضاً لواقع التفقير والتهميش والاستبداد، وفي أكتوبر 2019 اندلعت انتفاضات شعبية عارمة لا زالت متأجّجة وملتهبة في لبنان والعراق رفضاً للواقع الاجتماعي البائس للجماهير الشعبية ورفضاً للطائفية الدينية والسياسية التي ظلّت تحكم هذين البلدين منذ قرون.