2-2- المسار اللبناني/ العراقي: خصوصية المطالب وجذرية الممارسة.
تتمثّل خصوصية المطالب في المسار الثوري بلبنان والعراق من خلال خصوصية المسألة الديمقراطية في البلدين، إذ لا زالت الطائفية والمذهبية سمة للمجتمعين بفعل السياسات الرجعية لأنظمة الحكم وللطبقات الطفيلية المسيطرة والتي تتغذّى من المُعطى الطائفي لمواصلة تنفذها وهيمنتها على المجتمع ومقدّراته.

في خضم ما تشهده المنطقة من إرهاصات مدمّرة للمشروع الأميريكي الصهيوني الهادف إلى تفتيتها وإعادة هيكلتها اعتماداً على أنظمة شمولية قمعية وبدائل موغلة في رجعيتها ونزعتها الإرهابية، يتفرد المشهدان السوداني والجزائري بالحضور المؤثر للقوى الديمقراطية في الحراك الشعبي المتنامي في مواجهة مساعي نظامي البلدين في إعادة إنتاج نفسيهما.

المعضلة التي تواجه التغيير في المنطقة منذ 2011، هي المراوحة بين حدّين: الجزمة العسكرية أي الجيش أو اللحية أي الإسلام السياسي، ممثلاً بجماعة "الإخوان المسلمين" أو الإسلام الجهادي. وإذا كان دور العسكر حاسماً في انتقال بلد أوروبي مثل البرتغال نحو الديمقراطية، فإن في عالمنا العربي أدى وجود الجيش في قلب اللعبة السياسية إلى نتائج مغايرة لما يريده الديموقراطيون، فقد أجبر ما يُسمّى بالربيع العربي، وما بعده، الكثير من المؤسّسات العسكرية على إظهار نفسها بشكلٍ واضحٍ كطرفٍ سياسي مُتحكّم إلى حد كبير في مجريات الواقع السياسي وتحوّلاته. وشكّل انقلاب وزير الدفاع المصري الفريق أول عبد الفتاح السياسي على حكم الرئيس الإخواني محمد مرسي، وعودة العسكر إلى الحكم في أكبر دولة عربية، منعطفاً ومؤشّراً إلى استحالة اقتلاع الدور السياسي الفاعل للجيش في الحياة السياسية.

"سِرْ في الزمن الثوري وحدّق فيه بعين الفكر العلمي، ترى الواضح في الآتي، يستقدمه الحاضر بمنطق تناقضاته" مهدي عامل

حتى يومنا هذا استطاعت انتفاضتا الشعبين السوداني والجزائري تحقيق ما عجزت عنه العديد من الانتفاضات في البلدين وفي بلدان الجوار. وإذ تختلف ظروف البلدين عن بعضهما البعض، يُسجّل لشعبيهما أولاً، إحداث أول خرق في جدار الإحباط الذي خلفته النتائج الكارثية للـ "ربيع العربي"، وثانياً الاستفادة القصوى من تجربة ذلك "الربيع" وثالثاً التأسيس لربيع حقيقي يُجسّد طموحات شعوبنا في الحرية والتغيير الفعليّيْن.

تشهد الجزائر منذ الثاني والعشرين من شهر شباط الماضي حراكاً شعبيّاً واسعاً في مختلف أنحاء البلاد، وبشكل أساسي في العاصمة الجزائر، تشارك فيه مختلف فئات المجتمع الجزائري، وفي مقدمتهم النساء والشباب من طلاب جامعيين ومهنيين، تحت شعار "لا لولاية خامسة للرئيس بوتفليقة، ونعم لإجراء إنتخابات حرة في موعدها في أواخر شهر نيسان القادم".