فوزٌ ناعمٌ لليسار في الانتخابات العامة في إسبانيا

جرت في 28 نيسان الانتخابات العامة البرلمانية وانتخابات مجلس الشيوخ في إسبانيا. جاءت هذه الانتخابات مبكرة، بعد أن كانت مقررة في آذار عام 2020، تحت ضغط الوضع الاقتصادي وفشل الحكومة الاشتراكية في تمرير الموازنة العامة لعام 2019 في البرلمان الاسباني بسبب رفض الأحزاب الكتالونية والانفصالية والأحزاب اليمينية تأييدها. "الحزب الاشتراكي" الذي كان يحكم بأقلية (حظي في الانتخابات التشريعية السابقة بتمثيل 85 نائب من أصل 350) حظي هذه المرة بتمثيل 123 نائب، عكس التوقعات، بعدما تحالفت أحزابٌ عديدة ومنها "اليسار المتحد" والأحزاب الكتلانية والباسكية مع "الحزب الاشتراكي" لإسقاط "الحزب الشعبي اليميني" المتهم بعدة عمليات فساد وسرقة.

نتائج الانتخابات هذه أظهرت تقدم اليسار بشكل عام، تقدم الأحزاب التي تمثل المطالبين بالاستقلال في كتالونيا وبلاد الباسك، تراجُع اليمين التقليدي، ودخول اليمين الفاشي البرلمان للمرة الأولى.
وجاءت نتائج انتخابات البرلمان المشكل من 350 نائب كالآتي:
- الحزب الاشتراكي العمالي الاسباني: 123 نائب (85 سابقاً)
- الحزب الشعبي اليميني : 65 نائب (134سابقاً)
- حزب المواطنيين اليميني: 57 نائب (35 سابقاً)
- اليسارالمتحد: 42 نائب، 7 من بينهم من كتالونيا (71 سابقاً)
- حزب فوكس: 24 نائب
- اليسار الجمهوري الكتلاني والشيوعيون الكتلان: 15 نائب (8 سابقاً)
- معاً من أجل كتالونيا: 7 نواب (8 سابقاً)
- الحزب الوطني الباسكي: 6 نواب (5 سابقاً)
- اليسار الباسكي المطالب باستقلال الباسك: 4 نواب (2 سابقاً)
- التجمع من أجل كناريس: نائبان (1 سابقاً)
- التجمع من أجل نفارا، حزب يميني: نائبان
- الالتزام، حزب يساري على صعيد مقاطعة فالنسيا: نائب
- حزب مقاطعة كنتابريا: نائب
"الحزب الاشتراكي" الفائز في الانتخابات لم يحصل على الأكثرية المطلقة، ولكن بإمكانه تشكيل الحكومة عبر عدة احتمالات. الاحتمال الأول عبر تحالفه مع "اليسار المتحد" و"الالتزام فالنسيا" مشكّلاً تحالف يضم 166 نائب. أو عبر تحالفه مع "اليسار الموحد نستطيع" و"الحزب الوطني الباسكي" و"الالتزام فالنسيا" و"تجمع كناريس" و"حزب كنتابريا" مشكلين مجموعة تتألف من 175 نائب. والاحتمال الثالث عبر تحالفه مع "اليسار الموحد نستطيع" و"الحزب الوطني الباسكي" و"اليسار الجمهوري الكتلاني" و"الالتزتم فالنسا" و"اليسار الباسكي" ليصل عدد نواب التحالف إلى 191 نائب وهو العدد الأكبر. بينما أحزاب اليمين لن تتمكّن من تشكيل حكومة إذ أن مجموع نواب اليمين ومن ضمنهم اليمين الفاشي يصل إلى 148 نائب فقط.
في حين أن الرأسمال الكبير في إسبانيا، من بنوك ورجال أعمال، يضغط باتجاه تشكيل حكومة من "الحزب الاشتراكي" و"حزب المواطنيين اليميني"، الذين يجمعون 180 نائب. ولكن حتى الآن يرفض "حزب المواطنيين اليميني" ذلك وصرّح بأنهم يريدون ترؤس المعارضة وهدفهم على المدى القصير والوسطي التحول إلى القوى الأولى بين أحزاب اليمين.
يسار "الحزب الاشتراكي" لم يستطع الوصول إلى لوائح مشتركة في كل المناطق الإسبانية مثل كتالونيا وغاليسيا وفالنسيا. في كتالونيا كانت هناك لائحة من اليسار الموحد ونستطيع، أما الشيوعيون الكتلان الذين هم قسم اساسي من جبهة اليسار نستطيع ترشحوا على لائحة أخرى مع اليسار الجمهوري الكتلاني المطالب بالاستقلال وقد حصلوا على أعلى نسبة أصوات في كتالونيا وعلى العدد الاكبر من نواب كتالونيا في برلمان مدريد (15 نائب). الانقسامات داخل حزب نستطيع أثّرت سلباً على النتائج وهناك قسم كبير فضّل التصويت للحزب الاشتراكي باعتبار أنه الحزب الوحيد القادر على الحد من تقدم اليمين وحكم اليمين. وبعد صدور النتائج طلب رئيس لائحة اليسار الموحد نستطيع، بابلو اغلاسياس، من الحزب الاشتراكي الاجتماع معه لتشكيل حكومة مشتركة.
أما الرابح الآخر في هذه الانتخابات هو الأحزاب الوطنية على صعيد المقاطعات والتي تطالب بالاستقلال عن إسبانيا، وخاصةً في كتالونيا والباسك. زادت هذه الأحزاب من عدد نوابها في البرلمان الإسباني وتستطيع بدورها التأثيرعلى السياسة العامة. وهذا يمكن أن يكون إيجابيّاً من ناحية فتح حوار سياسي حول مستقبل إسبانيا وشكلها وحل موضوع القوميات. وهو ما يتعلق بشكل أساسي بقدرة "الحزب الاشتراكي" على التخلص من الضغوطات المفروضة عليه (من اليمين) عبر قياداته القديمة والمرتبطة بالشركات الكبيرة، ومن ضغوطات أخرى من جهات تمثل النظام الديكتاتوري لفرنكو التي ما زالت تسيطر على بعض مراكز السلطة خاصة الملكية، الأجهزة الأمنية والقضاء.
لا بد من الوقوف أمام النتائج السلبية الأساسية في هذه الانتخابات وهي دخول اليمين المتطرف الفاشي إلى البرلمان المتمثل في حزب فوكس الذي يعتبر نفسه الوريث لفرنكو وللديكتاتورية. وقد صرّح رئيسه بعد صدور نتائج الانتخابات بأنه لا يولي اهتماماً للأكثرية البرلمانية وللقرارات التي تتخذها. كما أظهرعداءه للعرب وتعاطفه مع الصهيونية، وتمحور خطابه حول خطر الهجرة، الإسلام وخطر "ديكتاتورية الحركة النسائية". هذا يعبر فعليّاً عن حزب فاشيٍّ ومُعادٍ للديمقراطية وسيكون أداةً لتخويف الناس وتذكيرها بالحرب الأهلية والديكتاتورية. وهو ما يمكن أن تستخدمه الطغمة المالية لقمع وضرب الحركات الشعبية والعمالية والتقدمية.
وستجري في 26 أيار المقبل الانتخابات المحلية لاختيار رؤساء 8000 بلدة إسبانية، ومنها مدريد، والانتخابات الإقليمية (باستثناء الأندلس وبلاد الباسك وغاليثيا وكتالونيا)، ما يشكّل فرصةً لـ"حزب المواطنيين" بتحقيق حلمه بالتحول إلى الحزب اليميني الرئيسي و ترؤس المعارضة ضد "الحزب الاشتراكي". ولن يكون هناك تشكيل حكومة حتى الشهر القادم، بعد مرور الانتخابات المحلية والإقليمية، وحتى الآن، يردد بيدرو سانشيز، رئيس الوزراء السابق ورئيس الحزب الاشتراكي المرشح لتشكيل الحكومة، أنه ما زال هناك وقت لتشكيل الحكومة التي يفضّل أن تتألف من اشتراكيين ومستقليين.

 

  • العدد رقم: 357
`


غسان صليبا