وهنا نقف لنقول إنّ كِلا الطرفين سيستغل هذا الحدث لترسيخ الهيمنة التي يمارسها على شعبه، الخائن المؤيّد سيغدق الوعود بأنّ هذه الصفقة ستجلب الانتعاش الاقتصادي، وتنقذ بلده من الأزمات والفقر والعوز الذي يعانيه، والرافض المقاوم سيعود ليعزف على وتر أنّ المعركة الآن إقليمية، ومصيرية ويوجد هجوم على المنطقة ليجبر الشعوب على تحمّل المزيد من الأعباء وزيادة الفقر وتحمّل الفساد المستشري في البلاد. والمعلن عن هذه الصفقة في هذا التوقيت بالذات، وهو الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ليس ببعيدٍ عن هذا الصراع في المنطقة التي تغلي لتهدّد مكتستات وعروش الرأسمال المتحكّم بمفاصلها، والذي يتنافس مع الرأسمال الصاعد في المعسكر المقابل، رغم وجود فارق بسيط بأنّه داخل قوى المحور المعارض لصفقة الذل، من يفترض فعلاً أنّ عملنا على الإصلاح الداخلي ومحاربة الفساد المستشري داخل مؤسّسات السلطة سيضعف هذا المحور في صدّ الهجوم على المنطقة. وبهذا تتأمّن الحماية للفاسدين والمتحكّمين بخيرات الشعوب.
ومن هنا ننتقل إلى لبنان الذي يعيش ازدواجية غير منطقية بين هذين الموقفين أي الرافض لهذه الصفقة، والمهلّل لها ولو لم يجرؤ أن يعلن هذا الموقف بشكل صريح - أقله حتى الآن- حيث أنّ هذين الفريقين يعيشان شراكة بالفساد وتقاسم مغانم السلطة في لبنان.
والدليل الواضح ما حصل في جلسة الموازنة التي تأمّن لها النصاب بسحر ساحر وتمّ التصويت عليها بسرعة، وما رأيناه من توزيع الأدوار بين هذه القوى، ما هو إلا تثبيت للنهج المتّبع بإدارة البلد منذ ثلاثين عاماً، وكِلا الفريقين له مبرّراته أمام جمهوره لتخديره ولإبعاده عن المطالبة بحقوقه المنهوبة. فإمّا شعار أنّنا أمام معركة إقليمية لنتحمّل المزيد من الذل والحرمان (الوضع أكبر مني ومنك)، وإمّا وعود ما بعد الصفقة بالانفراج الاقتصادي، وهنا يكمن ارتباط ما يجري بالمنطقة بما يجري في لبنان، وأجندة العمل في هذا الحالة تشير أنّنا في أمسّ الحاجة إلى المشروع الوطني الحقيقي المقاوم والمتوازي مع التغيير الديمقراطي، عبر إنتاج سلطة جديدة، محررة من قيود الطائفية، ومن منظومة الفساد الحاكمة، ومحاسبة المسؤولين عنها وعن الهدر ، والعمل على بناء اقتصاد منتج، حتى لا نبقى رهينة لهمينة قوى الرأسمال العالمي المتمثّل بالولايات المتحدة بالمقام الأوّل، والقوى الناشئة والتي تريد تقاسم المنطقة لأخذ الحصة من خيراتها.
وسيكون التحدّي القادم كبيراً أمام قوى التغيير الحقيقي في بلورة الخطاب الجامع، وتكوين جبهة نضال عريضة باستطاعتها وضع الخطوات العملية لمشروع المقاومة والمتوازي مع التغيير الديمقراطي، وبناء الاقتصاد المنتج. وهكذا يتمّ مجابهة الهجمة الرأسمالية على المنطقة، المتعدّدة الأوجه وموحدة الهدف أي مزيد من السيطرة على مقدّرات لبنان والمنطقة العربية ككل على حساب المزيد من الفقر والتجويع لشعوب المنطقة.