رئيف خوري 1913-1967: رجال في رجل واحد

ملاق فكر وثائر ومفكّر 

رحل رئيف خوري باكراً وهو في أوج حياته الفكرية والثورية، رجل نبيل ومواقف وشجاعة، يخبر عنه من عرفوه؛ أنه كان انساناً لا شبيه له، قامة عملاقة في المعرفة والقدرات العلمية الهائلة وسعة المعلومات حتى انّه يختصر في شخصه، شخصيات عشرات الرجال في آن.

لعب رئيف خوري دوراً بارزاً لا بل جباراً في انتاج الفكر الماركسي في هذه النقطة من العالم وخاصة في فترة البدايات اي ما بين الحرب العالمية الاولى والثانية، كانت له معرفة شاملة بهذا الفكر و طاقات غير محدودة في صناعة المحاضرات والندوات وتقريب فكر الثورة من الأذهان، فيفهمه المتعلم كما غير المتعلم، وبصمات رئيف خوري واضحة في هذه الميادين، هو الذي أسس عصبة النضال ضد النازية والفاشية، كما شارك في إضراب 1936 في فلسطين ضد المستعمر ومطامع الصهيونية - اليهودية، الناشئة في ذلك الزمن الصعب.

نعم لقد كان لرئيف خوري بصمات واضحة على تاريخ النضال، فهو أكثر من مؤسس وأكثر من مناضل، لقد عمل دؤوباً على العمل من دون توقف؛ وخاصة في مجال التدريس، ولا حاجة الى ان نذكر في هذه العجلة مدى إسهامات المدرسين في حركة النضال الشعبي، وكم قدموا على مذبح القضية العادلة من شهداء وتشريد وجوع، وكم كابدوا في سبيل أفكارهم، وأولهم رئيف خوري الذي تجادل مع رئيس مدرسة الفرير ماريست في جونية (التي اصبحت فيما بعد المدرسة المركزية بعهدة الرهبنة المارونية اللبنانية)، وأدى ذلك الى تركه عمله، ومن ثم التقلب في مدارس مختلفة. أنتج خوري أعمال أدبية راقية وصل عددها إلى الـ 17 مؤلف من دراسات أدبية وقصص ومسرحيات ونقد وتحليل في حقوق الإنسان والتاريخ والشعر، يحار الدارس أمام غزارة انتاج هذا الرجل المناضل الذي أفنى عمره وصحته على دروب الجهاد المستمر من دون كلل حتى الرمق الاخير.

في دراسة كتبها الدكتور أحمد عُلبي عن رئيف خوري في ذكرى مئوية ولادته نقرأ ما يلي:" وها قد بلغنا خاتمة كتاب رئيف خوري: "نحن وحقوق الإنسان، الديموقراطية شعارنا". وفي هذه الخاتمة يبيّن المؤلف كيف أن العالم، بسبب الثورة الصناعية، أضحى مترابطاً (...) فهنالك من جهة الأمم الضعيفة، ونحن العرب منها، وهناك الأمم ذات الشكيمة والنفوذ والأسلحة الفتاكة، وهي الأمم الاستعمارية".

لقد أجاد رئيف خوري في توصيف هذا العالم، الذي وصفه رازحاً تحت اقدام القوى الاستعمارية، التي لا همّ لها سوى امتصاص خيرات الشعوب، ولا تكتفي عند هذا الحدّ من السرقة الموصوفة والمعلنة من دون خجل، بل تعمد الى إبادة هذه الشعوب غير عابئة بآلامها وعذاباتها.

بعد قرابة خمسين سنة على رحيل رئيف خوري، لا بأس في إعادة نبش تراثه وكتبه وكلها كتب خالدة لا زمان ولا مكان لها سوى أنها مفيدة وتقدمية تصلح لألاف السنين القادمة...

يقول رئيف خوري على لسان أحد أبطال مسرحياته:

"هل انت عطشان؟ إنني عطشان

أتبكي والدموع ملح لا ينقع ظمأ 

افتح عرقاً في ذراعي فأفتح في ذراعك عرقاً

ومُصّ دمي فأمصّ من دمك

فيبلّ هذا الظمأ الآخذ بخناقنا

أم قد دميت قدماك من المسير؟

ها إن قدميّ داميتان

تعال أقبّل جراحك وتقبّل جراحي

ولتكن قُبلنا بلسماً

حتى تصير الرمال القاحلة كلها واحات

ويهبط الفردوس الى الأرض من السماء

ورفوف الكتب ومباخر الاحلام".

 

قائمة المراجع:

- مجلة الطريق عدد 7 سنة 1942

- كتاب "رئيف خوري الأديب الحيّ والمفكر الحر" الصادر عن الحركة الثقافية-انطلياس وبلدية نابيه في ذكرى مئة عام على ولادة رئيف خوري سنة 2013