النظام الطائفي والعدو الصهيوني خطران يهدّدان لبنان

النظام القائم في لبنان لا مثيل له في العالم المعاصر. فهو يتأسس على فرز اللبنانيين إلى 18 طائفة، وتتشكل سلطته من ممثلي طوائف وكأنها كيانات سياسية، مع أنها ليست موحدة إلاّ روحياً وطقوسياً. وتأتي صيغة التحاصص في بنية الدولة وسلطتها، وفقاً لأحجام الطوائف، وهي متحرّكة، وبتوازنات شديدة الدقّة والحساسية، فتتحوّل التناقضات بين زعماء الطوائف إلى صراع طائفي في السلطة والمجتمع..

ويشكّل ذلك تعقيدات وصعوبات في عمل السلطة ودورها، وتتحول إلى شَلل وتتسبّب بالانهيار القائم والهبوط الأخلاقي واللاشعور بالمسؤولية، والتفلّت من القوانين وتَحلّل الدولة كما هو حاصل. ويتصرّف زعيم كل طائفة باسم طائفته، وفقاً لمصالحه الخاصة والفئوية. ويصل الأمر في ضبابية المنظور الطائفي إلى عدم رؤية الوجه الوطني للمقاومة ضد العدو الصهيوني المعادي أصلاً للبنان، لأن التعدد فيه هو نقيض مشروعه في إقامة دولة دينية يهودية صهيونة وتوسّعية، وإلى التركيز فقط على تظهير الطابع الطائفي لبنية المقاومة الإسلامية حالياً ودورها، وأيديولوجيتها الدينية والمذهبية، وطابع علاقتها إقليمياً، وهي نقطة قوّتها وضعفها لبنانياً. لكن الغريب العجيب أنّ إستخدام الطائفية هو خدمة متبادلة تعزز نفوذ ودور زعامة كل طائفة في جمهور طائفتها.. ويتلاقى هؤلاء المتخاصمون في الوقت نفسه على التمسّك بنظامهم الطائفي نفسه، وفي مواجهة كل اتجاه وطني ديمقراطي تقدّمي في إنتخابات نقابية أو طلابية أو نيابية وغيرها.
لقد بات استمرار هذا النظام الذي أوصل شعبنا وبلدنا الى قعر جهنّم، خطراً يهدّد وحدة الوطن والدولة. ومع أنّ غرس كيان صهيوني عدواني على أرض فلسطين وحدودنا الجنوبية، بقوّة المجازر وتشريد أهل الأرض، بدعم الغرب الاستعماري، هو لإستخدام إسرائيل كلب حراسة لمصالحه ولسيطرته على المنطقة وثرواتها ولبنان منها، فإنّ السلطات اللبنانية المتعاقبة، لم تقم بمقتضيات تعزيز قدرات الجيش الدفاعية تجنباً لإزعاج الغرب الاستعماري وإسرائيل، ولا بتحقيق ما يوحّد لبنان وحمايته، بل استمرت كالنعامة التي تدفن رأسها بالرمال، وباعتماد مقولة "لبنان قوي بضعفه". فتخاذل الدولة هذا وطنياً هو ما أدّى لإطلاق جبهة المقاومة الوطنية ولاحقاً المقاومة الإسلامية.
وصحيحٌ القول أن شعبنا لا يريد الحرب التي ذاق مرارتها، لا الداخلية ولا الخارجية، لكن أمامنا عدو صهيوني مجرم وتوسعي. وهذا سبب إضافي لإزالة نظام الانقسامات الطائفية كضرورة وطنية وأمنية، ولبناء وحدة داخلية حقيقية تشكل ضمانة بقاء لبنان وطناً ودولة وحمايته. لكن المشكلة هي في الطبقة السلطوية التي وجدت في نظامها الطائفي تغطيةً لفسادها ولشبكاتها المافياوية التي تستغلّ مقدرات الشعب لتُراكم أرباحها وثرواتها، وإفقار وإذلال الناس. فالطائفية هي الوسيلة الأهم لديها في إلهاء الشعب وجعل الصراع داخل صفوفه، وإبعاده عن الاهتمام بحقوقه وقضاياه الاجتماعية والديموقراطية والوطنية. وإن الانقسامات والصراعات التي تستولدها الطائفية، تتيح التدخلات الخارجية، واستقواء زعامات الطوائف بهذا الخارج أو ذاك، والإبقاء على لبنان مساحة تتساكن فيها مجموعات من الناس، وليس شعباً واحداً ووطناً واحداً. وإزاء هذا الواقع المرير، لم يعد مجرد انتخاب رئيس جمهورية امراً كافياً، على ضرورته. فلبنان أصبح أمام خطر العدو الصهيوني الذي يهدد بتدميره والطامع بمياهه وأرضه، إلى جانب توسّعه في كل فلسطين وغيرها.. وأمام خطر آخر يتمثل بالنظام السياسي الطائفي الذي أوصل لبنان بتناقضاته إلى الانهيار والدولة إلى التحلل، وإلى خطر تمزّق البلد. وليس الحل باستمرار نظام ودولة الطوائف، ولا بهيمنة طائفة على السلطة، ولا بالتقسيم أو الفدرَلة. فلا حلّ لطائفة بمفردها، بل بتغيير حقيقي يبني وطناً وهوية واحدة لجميع أبنائه، ودولة وطنية علمانية ديمقراطية، قادرة على حماية الوطن وتوحيد اللبنانيين، تجمع في كنفها كل طاقات شعبنا، لتعزيز مناعة لبنان في وجه كل الأخطار.