حماية التحرير بالدولة الوطنية والوحدة الداخلية

من حق لبنان واللبنانيين أن يشعروا بالفخر والاعتزاز في عيد التحرير... فقد حققت مقاومة شعبنا انتصاراً تاريخياً وفرضت على الاحتلال الانسحاب من أرضنا عام ٢٠٠٠ بدون قيد أو شرط. ولهذا الانتصار مغزى كبير، شكّل في بُعدَيه الوطني والعربي مثالاً ساطعاً يبقى راسخاً في تاريخ بلدنا وذاكرة شعبنا وشعوب منطقتنا.

لقد تحقق التحرير بالتضحيات الكبيرة والاستشهاد، وقد شقّت طريقه جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية "جمّول"، التي كان إطلاقها بمبادرة من الحزب الشيوعي اللبناني وأمثاله، عند وصول الغزو الصهيوني إلى بيروت في ١٦ أيلول ١٩٨٢. فكان تحرير العاصمة بيروت، ثم تحرير حوالي 73٪ من الأرض اللبنانية المحتلة حتى نيسان ١٩٨٥.

وقد شملت بطابعها اللبناني جميع المناطق، وفي أهدافها مشروعاً يجسّد مصالح شعبنا ومطامحه الوطنية والاجتماعية، وبناء وطن منيع لجميع أبنائه، ودولة وطنية ديمقراطية علمانية توحّد شعبنا، عبر إلغاء الطائفية التي منعت تحويل الكيان إلى وطن، والسلطة إلى دولة، ولم توفّر للشعب وطبقاته الاجتماعية الكادحة العيش بكرامة وطمأنينة.

ومع اتساع مشاركة قوى جديدة (المقاومة الإسلامية)، ورغم افتعال اغتيالات لقادة في حزب المقاومة الوطنية ورفاق مقاومين، استمرّ دور هذا الحزب واستمرّت عملياته البطولية حتى التحرير في أيار عام ٢٠٠٠. ولم يتوانَ الشيوعيون عن المشاركة في مواجهة العدوان الصهيوني عام 2006، ولا يزال الحزب يطالب بتسليمه جثامين 9 شهداء شيوعيين ما تزال إسرائيل تحتجزهم.

إن عدم جعل هذا الانتصار، بعد ٢٥ سنة، عاملاً فاعلاً لتوحيد الشعب في بناء الوطن والدولة الديمقراطية الحديثة، نجم عن عوامل عدة، يرتبط أهمها بطبيعة المقاومة الإسلامية، بإختصار دورها وسلاحها على طائفة بعينها.

فعلى الرغم من بطولاتها والتضحيات الجسام ضد العدو، كان النظر إلى بعدها داخلياً من زاوية خصوصية الوضع اللبناني والنظام الطائفي القائم على تحاصصات وتوازنات في بنية سلطته السياسية، وبهاجس أنها، بطابعها الطائفي، تُحدث خللاً في هذه التوازنات عبر تغليب طائفة على السلطة السياسية. ومن هذه العوامل أيضاً، تواطؤ بين القوى الراعية لتنفيذ اتفاق الطائف، وبين زعامات الطوائف وطبقتهم السلطوية.

وقد شكّل وجود ودور العدو الصهيوني على حدود لبنان الجنوبية، خصوصاً مع ضغوط المخطط الصهيو-أميركي الرامي إلى تفتيت بلدان المنطقة وإقامة شرق أوسط جديد، خطراً على وضع لبنان الحدودي والداخلي. وقد أدّى، مع تخاذل سلطة الدولة، إلى وجوب نشوء مقاومة شعبية للتحرر من الاحتلال وصدّ الاعتداءات...

وبالطبع، لا يمكن إغفال دور الطبقة السلطوية الفاسدة وحُرّاسها وتمسكها بنظامها الطائفي لتغطية سرقاتها مع أرباب المال والمصارف ومافيات الاحتكار، التي أفقرت شعبنا، وأدّت إلى تدهور معيشته، وإلى الانهيار الكبير الذي تعيشه البلاد.

 وقد كانت انتفاضة 17 تشرين الرد الشعبي المطالب بالتغيير...

لذلك، يشعر اللبنانيون، رغم وهج التحرير، بمعاناة قاسية جرّاء أوضاعهم الاجتماعية، ومصادرة ودائعهم في المصارف، وبخطر عدوانية إسرائيل وبقاء احتلالها لمواقع لبنانية، واستمرار عمليات القصف والقتل والتدمير في عدة مناطق، من دون وضع حدّ لها، وتحت سمع وبصر دول اللجنة الخماسية المعنية باتفاق 1701.

ومع أن المعروف عالمياً أن الاحتلال يخلق المقاومة، إلا أنه يجب أن تكون، في لبنان، وطنية وغير مقتصرة على طائفة. فأهم ما يجمع شعبنا هو الدولة الوطنية التي تمثل كل الشعب، على أن تتميّز بإرادة وطنية وقدرة على الدفاع عن لبنان، لتجمع طاقات شعبه في مجرى حماية الوطن وسيادته. وهذا يقتضي بناء وحدة داخلية صلبة، بدلاً من نظام التحاصص الطائفي وانقساماته. واعتماد سياسة إنمائية اقتصادياً واجتماعياً، تُحسّن معيشة شعبنا وكادحيه، وتُنمّي الاقتصاد المنتج لتوفير فرص عمل للحد من هجرة شبابنا، كي لا يصبح لبنان بلداً للمسنين والمتقاعدين عن العمل.

في ضوء كل ذلك، فإن على المسؤولين الجدد على رأس الدولة عدم الاكتفاء ببعض التدابير الإصلاحية، وهي ضرورية أيضاً، لكن الأهم هو تنفيذ إصلاحات بنيوية أقرّها اتفاق الطائف وأهملتها السلطات المتعاقبة. بدءاً من تشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية، وانتخاب مجلس نيابي خارج القيد الطائفي، إلى اللامركزية الموسعة التي تتكامل مع الدولة المركزية، وتوفّر للناس في المناطق فرصاً للإنماء والمشاركة الديمقراطية، واعتماد قانون انتخاب يوفّر التمثيل الصحيح لجميع القوى الشعبية، واستحداث مجلس لتمثيل الطوائف محدود الصلاحية.

إن تحقيق الإصلاح المذكور، وبناء الدولة الوطنية الجامعة، على قاعدة الإرادة الوطنية والديمقراطية، هو الطريق لوحدة لبنان وحمايته، ونهوضه حاضراً ومستقبلاً.