المنظومة الحاكمة في مأزق وتتقاذف كرة النار، حيث يرمي كلٌّ من أقطابها على الآخرين مسؤولية انهيار اقتصاد البلاد وإفقار الناس وتهجيرهم وإهانة كرامتهم والسطو على حقوقهم بالعمل والصحة والأجر والأمن الاجتماعي. حاكم مصرف لبنان كان لاعباً أساسياً في هذه المنظومة لعقود، وحان وقت محاسبته كما حان وقت محاسبة الجميع.
إن أزمة النظام اللبناني أزمةٌ مزدوجة في اللحظة التاريخية الراهنة، ما يجعل خطورة تعطّله (أي النظام) مضاعفة. المقال السابق حول الأزمة السياسية يظهر أن النظام الطائفي استنفذ أفقه التاريخي، حيث أن منطق التشاركيّة هو نفسه منطق تفكّك هذا النظام. إن غياب أيّ هيمنة في السلطة لقوّة "طائفية" محدّدة، بعد اتفاق الطائف وبعد اختلال توازن القوى الدولي والداخلي خلال السنوات اللاحقة، أدّى إلى أزمة تفكك النظام. هذا التفكك وصل ذروته بسبب تراجع الامبريالية على أساس أزمتها الشاملة، كون التوازن الدولي هو الضامن لهكذا نظام غير قادر على التماسك في ذاته، فكان يتم ضبط وتأجيل تفكّكه كل فترة. هذا التوازن انهار اليوم على أثر الأزمة السياسية والاقتصادية الشاملة في العالم.
"إن النظام المصرفي (بنكوقراط) هو الذي يهدّد بتدمير النظام الاجتماعي... ومع الاحترام لكل الأسئلة المتعلقة بالحرب ومفاوضات السلام، هذا ما يجب أن نناقشه هنا" ويليام فولارتون 1797 – عضو في البرلمان البريطاني
ويحلّ الأوّل من نوار هذا العام، وعمال لبنان والعالم يعانون وزر التسلط والاستبداد اللذين تمارسهما رأسمالية متفلّتة من كل ضوابط أخلاقية وسياسية؛ رأسمالية أخذت على عاتقها نهب الشعوب وتجويعها وسلبها حرياتها وربطها بتبعية سياسية واقتصادية وإغراقها بالحروب والاستغلال والحصار والعقوبات والاحتلال...
لبنان في عين العاصفة. يتعرض من الخارج لضغوطات اقتصادية ومالية كبيرة تشبه الحصار، وهي تتزامن وتتكامل مع الحصار المفروض على سوريا وإيران من أميركا والغرب وأدواتهم في المنطقة؛ إن تلك العقوبات المفروضة على سوريا، تهدف إلى إخضاعها وتحقيق مكتسبات لم تستطع الحصول عليها من خلال حروبها المدمرة على هذا البلد. وفي هذا السياق، لا يمكن قراءة الضغوط على لبنان إلّا في السياق نفسه، لاستكمال هذا الحصار بتضييق الخناق على حزب الله عبر الضغط على لبنان ماليّاً واقتصاديّاً. ألم يقل بومبيو، خلال زيارته الأخيرة إلى لبنان، بأن لا فرق بين الدولة اللبنانية وحزب الله الذي أصبح يسيطر عليها، حسب زعمه، وأن على الشعب اللبناني أن يختار بين "الاستقرار والرفاهية" و حزب الله؟