يمرُّ العيد هذا العام فاقداً النكهة التي كانت له. فالقسم الأكبر من أطفال لبنان لا يشعرون ببهجة العيد الذي كان بالنسبة لهم هدايا وأطايبَ وثياباً جديدة.. فقد سرقت الطبقة السلطوية التي أوصلت الوضع إلى الانهيار، فرحَ الطفولةِ البريئة بالعيد. وتسبّبت أيضاً هذا العام بكارثتين غيّرتا ظروف حياة الناس ومعيشتهم. فالأولى تتمثّل باستشراء الفساد ونهب المال العام والانهيار وإفقار أكثرية الشعب. وتنجم الثانية من كارثة انفجار المرفأ، ووقوع أكثر من مائتي ضحية، وآلاف الجرحى وعشرات آلاف المنازل والمتاجر التي أصابها الدّمار أو الضرر، وتشريد ألوف العائلات من منازلهم. فهل سيمرُّ العيد على هؤلاء وأطفالهم، ومن أصبحوا تحت خط الفقر ويعانون الحرمان والجوع؟ وتأتي جائحة كورونا لتزيد المعاناة، ولتكشف، رغم بعض الجهد، كم ظالماً، هو، النظام الرأسمالي بالتعاطي مع الإنسان كمجرّد سلعة ووسيلة لتراكم أرباح ارباب المال، المتحكّمين بالناس في مختلف مجالات حياتهم.
الفوز الباهر الذي حقّقه الشعب البوليفي في 18 تشرين الاوّل هذا العام في انتخاب لويس أرسي، أحد أركان "الحركة نحو الاشتراكية" رئيساً للدولة شكّل ردّاً، شعبياً حاسماً على الانقلاب الرجعي على الرئيس ايفو موراليس، منذ سنة تقريباً. والى أهمية هذا الفوز في بوليفيا، فإنه يعبّر أيضاً عن ظاهرة ومغزى يتصل بمزاج شعوب أميركا اللاتينية وتوقهم إلى التحرّر من أنظمة الاستغلال والفساد والإفقار والتبعيّة لواشنطن، ويعزّز آمالهم بالانتصار.
من حسن الصدف أن تكون ذكرى انتفاضة 17 تشرين الاوّل، متقاربة مع ذكرى تأسيس الحزب الشيوعي اللبناني في 24 تشرين أول نفسه، عام 1924، ما يتيح تناول هذين الحدثين التاريخيين في مقالة واحدة. وإذا ما كانت ولادتهما في "الخريف"، تحمل ما يفعله عصف الرياح الخريفية بأوراق الأشجار الذابلة، تمهيداً للتجدد في الربيع الآتي، فإن تقاربهما ينطوي على علاقة رحمية بينهما، تتمظهر أولاً، في انبثاقهما من صميم واقع بلدنا وظروف ومعاناة شعبنا وتدهور شروط معيشته. ثانياً، في اعتماد طريقة النضال الشعبي وسيلة للاحتجاج ورفضاً للحالة القائمة. ثالثاً، في الطابع النضالي العابر للطوائف والمناطق، لإسقاط النظام الطائفي ومنظومته الفاسدة. رابعاً في هدف إخراج بلدنا وشعبنا من حالة الانهيار، بتحقيق التغيير، لبناء وطن ودولة، يجسّد مطامح شعبنا وحقوقه الوطنية والاجتماعية والديمقراطية. فهذه الانتفاضة،
في وقت يواجه فيه شعبنا وبلدنا أزمات وكوارث وطنية واجتماعية وصحية غير مسبوقة، وتستمر فيه حالة الشلل والفشل السلطوي في ادارة شؤون الدولة والمجتمع، تتواصل التناقضات والانقسامات التي يستولدها نظام التحاصص الطائفي، ويتصاعد تداخل العوامل الخارجية مع الداخلية. فتصبح مسألة تشكيل الحكومات عملية قيصرية تستدعي ارضاء أو مشاركة مرجعيات خارجية واقليمية ودولية، كأننا أمام تشكيل ذات طابع اقليمي ودولي، ولكن بلباس لبناني. وكثيراً ما تطلّب تشكيل حكومات شهوراً طويلة وقد استمر الفراغ في الموقع الرئاسي سنتان ونصف، وجرى التمديد للمجلس النيابي مرتين.
بعد مئة عام على تأسيس لبنان الكبير، وصل لبنان الي وضع مأزقي يواجه خطر التفكك والتحلّل، أو كما قال وزير خارجية فرنسا، خطر الزوال. فبعد هذه التجربة الطويلة، لا يزال لبنان أقرب الى طفل يحبو، ويحتاج الى تعلم المشي وحده. والتساؤال الذي يطرح نفسه هنا، هو هل ان لبنان الكبير هو مولود عجيب، يفتقد الى مقومات إنشاء دولة ووطن؟
أمام هول الكارثة يجدر التساؤل، هل أنها انتقام من سيدة العواصم العربية، لأنها على الرغم من حصار الجيش الصهيوني وألوف القذائف اليومية عام 1982، لم ترفع الأعلام البيضاء؟ وانها استولدت جبهة مقاومة وطنية لبنانية، شقت طريق التحرير، وأجبرت الجيش الصهيوني على الانسحاب الذليل من بيروت خلال عشرة أيام؟..ليس غريباً أن يكون هذا التفجير الكارثي في مرفأ بيروت، صنع إسرائيل. فطبيعتها العنصرية ومطامعها التوسعية، متلازمة مع المجازر والعدوان والإجرام سواء تأكد ذلك في التصريح الأول لنتنياهو، وللرئيس دونالد ترامب، أم عادوا ونفوه.