لقد واجهت كوبا منذ انتصار ثورتها عام 1959، تحديات وصعوبات كبيرة ناجمة من سياسة العداء التي تمارسها دوائر واشنطن ضدها. فقد أقدمت استخباراتها CIA على إعداد وتنفيذ غزو بلايا هيرون (خليج الخنازير) لإسقاط الثورة الفتية في نيسان 1961. وبعد فشلها فرضت حصاراً اقتصادياً جائراً ومشدّداً لمنع تطور كوبا اقتصادياً، خصوصاً وأنها ورثت اقتصاداً متخلّفاً من مرحلة الهيمنة الأميركية. وقد تجاوزت خسائر كوبا بسبب هذا الحصار الطويل مئات مليارات الدولارات. فالولايات المتحدة تفرض عقوبات على أيّ بلد أو شركة في العالم تتعامل مع كوبا اقتصادياً وتجارياً ومالياً.. ويزيد من سلبيات هذا الحصار كون كوبا المعروفة بلؤلؤة الكاريبي، تقع على تخوم أكبر وأشرس دولة إمبريالية، فالمسافة بين هافانا وميامي مماثلة للمسافة بين لبنان وقبرص.
ورغم كلّ هذه الضغوط الرامية إلى إسقاط الثورة من الداخل، ما زالت كوبا الثورة مستمرة ومتمسّكة بطابعها الاشتراكي، وجذرية نهجها الذي يجمع بين تحرّرها وطنياً وبين طابعها الاجتماعي الذي تجلّى بإنجازات صحية وطبية وتعليمية لجميع الكوبيين، وبإلغاء التمييز العنصري، وبالمساواة بين المرأة والرجل، شكّل ذلك عاملاً أساسياً في صمودها. وتجدر الإشارة إلى أن كوبا حتى في ظلّ الضغوط والتضييق عليها، أقدمت على تقديم منح جامعية لعشرات آلاف الطلاب من بلدان العالم الثالث، بما فيها لبنان وبلدان عربية وبخاصة فلسطين ومناصرتها حقوق شعبها التاريخية في أرضه. وأرسلت مجموعات طبية إلى الكثير من البلدان لمكافحة الأمراض والأوبئة ومؤخراً جائحة كورونا. وقد كان تأثير كورونا في تعثّر وشلل السياحة عالميا، عاملاً شديد السلبية على كوبا الذي يشكّل المجال السياحي فيها مصدراً أساسياً للحصول على مداخيل بالعملة الصعبة. وهذا ما دفع أصدقاء كوبا في الكثير من بلدان العالم للمشاركة في لقاء عالمي افتراضي في 30 نيسان وأول أيار، تضامناً مع كوبا ورفضاً للحصار الاقتصادي الجائر على شعبها. وقد شارك من لبنان في هذا اللقاء، موريس نهرا بإسم جمعية الصداقة اللبنانية الكوبية وكاسترو عبدالله بإسم الاتحاد الوطني للنقابات والعمال في لبنان.
إن صمود الشعب الكوبي في الظروف القاسية لا يقتصر على دور القائد التاريخي والأممي فيديل كاسترو الذي استطاع بناء علاقة ثقة متبادلة وعميقة مع جماهير كوبا. فإلى دوره هذا، والى الإنجازات الإجتماعية، فإن العامل الآخر يتلخص في الوعي المعروف لدى الشعب الكوبي وفي النسبة العالية لحملة الشهادات الجامعية في المجتمع الكوبي. وهم مدركون افتعال الولايات المتحدة لهذه الضائقة الاقتصادية، ويرفضون عودة كوبا إلى حظيرة سيطرة واشنطن، كما أن ما تنتجه كوبا خصوصاً بعض المواد القليلة الوفرة، يجري توزيعها بانتظام على أساس بطاقة لتصل إلى كلّ عائلة في كلّ كوبا، أما المواد الأخرى فشرائها مفتوحا للجميع.
لقد راهنت أميركا على سقوط كوبا الثورة مع انهيار الاتحاد السوفياتي ثم مع رحيل قائدها فيديل كاسترو. لكن هذه الرهانات باءت بالفشل. وها هو الحزب الشيوعي الكوبي يعقد مؤتمره الثامن في أواسط نيسان المنصرم، تتمثل فيه جميع قطاعات الشعب الكوبي. وقد خلصت أبحاثه ونقاشاته إلى التالي:
أولاً: التجديد في قيادة الحزب والدولة بالخروج الطبيعي للجيل الذي قاد الثورة، وفي مقدمهم راوول كاسترو البالغ عمره 90 سنة، وانتخب محله ميغيل دياز كانيل وعمره 60 سنة، ورفاق آخرون من الجيل الجديد.
ثانياً: التمسك بمبادىء الثورة ووحدة المجتمع وبالطابع الاشتراكي للثورة، وبدور العامل الايديولوجي.
ثالثا: الاستمرار بسياسة الانفتاح واتخاذ التدابير التي توفر تلبية الحاجات من الغذاء ومنتجات أخرى، سواء في الزراعة أو في مجالات العمل الحرفي والخاص وفي مجال الانترنت، وكانت كوبا أقرّت قوانين لاستقبال توظيفات من الخارج في القطاع السياحي وبعض المجالات التجارية، وربما تتوسع الى المجال الانتاجي.
إن كوبا التي تعتمد سياسة الانفتاح والحوار مع البلدان الأخرى ومنها جارتها الكبرى، تؤكد على قاعدة الاحترام المتبادل، ولا سيما وأن الرئيس الأميركي الأسبق أوباما أقدم على خطوات تطبيعية مع كوبا بعد فشل سياسة عزلها، في حين أن الرئيس دونالد ترامب قد الغاها وأضاف أكثر من مائتي تدبير عقابي ضد كوبا.
إن استمرار تمسك الشعب الكوبي بثورته يؤكد أن فيديل كاسترو الذي رحل جسدياً، بقي حاضراً ومستمراً في شعبه وثورته.