يوم الشهيد تحية وسلامُ بكَ والنضال تؤرّخ الأعوامُ
بك والذي ضمّ الثرى من طيبهم تتعطّر الأرضوان والأيام
بك ينشأ الجيل المحتمّ بعتُهُ وبك القيامة للطغاة تقام
ألف تحية لكلّ شهيدٍ وشهيدة.. فهؤلاء الأبطال الذين سقطوا في معارك النضال في تواريخ وأماكن مختلفة، مقدّمين أعظم التضحيات، سطّروا بدمائهم الزكية صفحات مشرقة في تاريخ وطننا وحزبنا، مجسّدين نهج الحزب النضالي المنطلق من مطامح شعبنا في التحرّر الوطني والاجتماعي. فهم شقّوا ببطولاتهم طريق مقاومة العدوّ الصهيوني المحتل وإلحاق الهزائم به، وكانوا في طليعة مجابهة مشاريع التقسيم الطائفي للبنان، وفي الكفاح الطويل ضدّ الظلم الاجتماعي الواقع على عمّالنا وكادحينا والفئات الاجتماعية الأخرى التي تعاني من نظام الاستغلال الجشع والاحتكار.. فهم مشاعل تضيء المسار النضالي لتحقيق القضايا التي استشهدوا من أجلها.. وسينتصرون بانتصارها.
لقد كان تحرير الوطن والإنسان من كلّ ظلم وقهر هو في أساس قناعتهم ونضالهم واستشهادهم. فهذه هي مبادىء وأهداف حزبهم.. وهذا ما كان الشهيد القائد فرج الله الحلو، الذي استشهد في أقبية المباحث تحت التعذيب في دمشق، في الأسبوع الأخير من شهر حزيران 1959، يحرص على تكوين الشيوعيين وتثقيفهم به.. وكذلك القائد جورج حاوي، رمز المقاومة الوطنية، الذي استشهد في عملية إجرامية تفجير سيارته في بيروت في 21 حزيران 2005.. فحزبٌ يستشهد قادته في مواقع النضال الوطني والإجتماعي وسائر مجالات الفكر والثقافة والإعلام وغيرها، ضدّ المخطّطات المعادية للوطن والشعب، هو مدرسة لتكوين مناضلين مفعمين بحبِّ الوطن والشعب وبالجرأة والصلابة النضالية.. مدرسة للشبيبة الطامحة إلى التغيير وبناء مستقبل أفضل. وهو يعصى على كلّ محاولات أعداء الوطن والخصوم الطبقيين الساعين إلى طمس دوره وتاريخه النضالي ومواقفه المنطلقة من مطامح شعبنا وعمالنا.
لقد روت الدماء الزكية لأكثر من ألف شهيدٍ شيوعي أرض لبنان، لتزهر وطناً موحّداً متحرّراً من الاحتلال والتبعية، ومن إلحاقه بمخطط اتفاق كامب دافيد في المنطقة، المناقض لمصالح شعبنا والشعوب العربية الشقيقة الطامحة إلى التحرّر الوطني والاجتماعي. وكانوا كما حزبهم من كلّ الوطن ولكلّ الوطن. والقضية عندهم هي الوطن والإنسان.. لا الطائفة ولا المذهب، ولا الزعيم. لم يكونوا أبناء القصور.. بل من طبقات وفئات شعبنا الطيّب والكادح، التي تشعر في واقع حياتها ومعيشتها، بالترابط القائم بين الكرامة الوطنية وكرامة المواطن.. فالكرامة لا تتوافر في وطن محتل، ولا في عيش ذليل بائس للمواطن.. فقوافل الشهداء الشيوعيين، على مَرّ تاريخ الحزب، كان حلمهم بناء وطن سيد حرّ، وشعب متحرّر من الظلم الاجتماعي. فشكّلوا في مواقع ومجالات استشهادهم تجسيداً حيّاً لوحدة المسار النضالي. فتحرير الأرض على أهميته يفقد الكثير من وهجه ومعانيه عندما يجري فصله عن قضايا الناس الذين يعيشون على هذه الأرض. وأكثر عندما يجري وضع القضية الوطنية في تضاد مع القضية الاجتماعية والعكس أيضاً وكذلك عندما يسود التخبّط والتناقض الداخلي، كما يجري بين أهل السلطة السياسية والمالية، ويُصبح التعصّب الفئوي، والفساد وسرقة مال الشعب، نمطاً سائداً في نظام طائفي تحاصصي يفيض تناقضاتٍ وشللاً، ويصل بالبلاد إلى الإنهيار وبدء تحلّل الدولة وربما الكيان. فهل يستوي مع تحرير الأرض من الاحتلال الصهيوني، إفقار وإذلال الشعب الذي قدّم تضحيات عظيمة في مقاومة الاحتلال؟ لقد عزّز التحرير ثقة شعبنا والشعب الفلسطيني الشقيق وشعوب المنطقة بقدرتها على مجابهة العدو الصهيوني والانتصار عليه. ولكن ما وصل إليه بلدنا، ألَا يمثل ثأراً إسرائيلياً من شعبنا يجري تنفيذه عبر مداخل ووسائط وسياسات لبنانية اقتصادية ومالية وسياسية، منها تناقضات النظام الطائفي، ومنها الفساد المستشري وإفلاس الدولة والانهيار، ومنها أيضاً كارثة تفجير المرفأ الذي يستمرّ التحايل للتعتيم عليها ..؟
إنّ انتفاضة 17 تشرين هي الردّ الطبيعي على سياسات المنظومة السلطوية، وهي تحمل في محتواها مطامح الشهداء في وطنٍ حرٍّ، وعيشٍ كريم. ويتجلّى بُعدها الوطني، في مواجهة منافذ النظام وتناقضاته ومنظومته السياسية التي تخدم في ممارساتها نفاذ المخطط الأميركي الصهيوني للثأر من لبنان وجرّه إلى التطبيع مع العدوّ الصهيوني.
إنّ حزب القائدين الشهيدين فرج الله الحلو وجورج حاوي، حزب أكثر من ألف شهيد، سيواصل نضاله الوطني والاجتماعي وفاء للشهداء وحرصاً على مصلحة شعبنا وأهدافه في بناء وطن حرٍّ ودولة ديمقراطية.. دولة المواطنية والعدالة الاجتماعية، وصولاً الى بناء مجتمع جديد لا استغلال فيه وظلم للإنسان.
تحية إجلال وإكبار للشهداء الشيوعيين، ولكلّ شهيدٍ سقط على طريق تحرير الوطن والانسان.