وآخر فصول الاحتلال وليس آخرها، سيكون أوائل الشهر المقبل، حيث سيتم الإعلان من قِبل الدولة المحتلة، من أن أجزاء من الضفة الغربية هي قانونياً وإدارياً، أصبحت عملياً، جزءاً من الكيان الصهيوني. مما يعني ضم أجزاء هي تحت الاحتلال العسكري الإسرائيلي، والإدارة المدنية الفلسطينية شكلاً، التي تعمل تحت إشراف الحاكم العسكري الصهيوني، الذي يتحكّم بكلّ مفاصلها، اقتصادياً وأمنياً وسياسياً، وبالتنسيق الأمني مع الشرطة والأمن الفلسطيني. أي كف يد الإدارة المدنية الفلسطينية، عن إدارتها بالواسطة. مما يدل وبوضوح من أن الضم وفي ظلّ الاحتلال، ما هو إلّا مفهوم واحد، بالمضمون لاسم الاحتلال.
نقول ذلك لأن الفكر المسيطر على رأس السلطة الفلسطينية، والذي أنتج اوسلو ومشروع التسوية، والقائم على فرضية حل الدولتين، لا يزال مقتنعاً، بأن هناك في إدارة الدولة المحتلة، لا يزال من يفكّر ويدعو إلى حلّ الدولتين، ويعمل من أجلها. لا يستطيع هذا الفكر السياسي المأزوم، أن يفهم أن الضمَّ يعني سقوط حلِّ الدولتين، لقد تجرّدت القيادات الفلسطينية الرسمية من أي فهمٍ وإدراك وحتى أي أفق سياسي، وعليها أن تعترف بأنها تحوّلت كسلطة إلى إدارة مدنية مؤقتة تحت الاحتلال، وفي المدى المنظور سيتحوّل مركز السلطة في رام الله إلى مركز بلدي في دولة الاحتلال.
إنّ الطلب من الجامعة العربية ورئيسها أبو الغيط، صديق تسيبي ليفني، كما جاء في مذكراتها، بدعوة وزراء الخارجية العرب، لاجتماع طارئ وإعلان موقف. ونتساءل بمرارة وألم، هل يكفي إصدار بيان إنشائي، يشجب ويستنكر عملية الضم؟
إنّ الاستنكار والشجب الانشائي، لم يحرّر، ولن يحرّرَ شبراً من فلسطين، أو يردع الإدارة الصهيونية وقطعان المستوطنين، أو يوقف عملية الاستيطان، لأن "منطق الإنشاء هو غير منطق الأشياء"، كما قال الشهيد مهدي عامل. كما أن الزعماء والملوك العرب وأمرائهم هم في وادٍ آخر، يسيرون نحو التطبيع بوتائر سريعة جداً. وتحقيق صفقة القرن في ظلّ الانشغال بوباء الكورونا، تتسارع أيضاً نحو التطبيق بمباركة عربية ودعم مادي، لتغطية تكاليفها خاصة السعودية والأمارات.
أكثر من 25 عاماً مضت، على توقيع اتفاق أوسلو، زاد خلالها الاحتلال من اغتصاب الأراضي والمدن والقرى الفلسطينية، الاستيطان زادت نسبته أكثر من ستين مرة عمّا قبل أوسلو، ولا يزال للأسف محمود عباس يعتبر اتفاق أوسلو المشؤوم إنجازاً تاريخياً، والأحرى به، أن يعترف بفشله، وبخطئه التاريخي حين اعترف بدولة إسمها "إسرائيل"، ونبذ وحذف فقرة الكفاح المسلّح من ميثاق منظمة التحرير، وتعاون أمنياً مع الشباك والموساد، وبمساعدة أجهزته الأمنية تمّ اغتيال المئات من المناضلين والمقاومين.
حتّى الراعي الوحيد كما كرّسته سلطة محمود عباس، أي الولايات المتحدة الأميركية ولعقود، فإن الإدارة الأميركية المتعاقبة، هي التي شرّعت الاستيطان، وبناء المستوطنات في الضفة الغربية، واعترفت بها، ولا سيما إدارة جورج بوش الإبن، وحتى ما جاء في صفقة القرن الأميركية يقول صراحة "ستصبح الجيوب والمستوطنات المتجاورة جزءاً من دولة إسرائيل، وسيكون غور الأردن تحت السيادة الإسرائيلية". وآخرها تصريح وزير خارجية أميركا بومبيو الأسبوع المنصرم، حيث قال: "ضم أجزاء من الضفة يعود لإسرائيل".
مع اقتراب ساعة الصفر، لإعلان ضمّ أجزاء من الضفة الغربية إلى الكيان الصهيوني، لا يزال العقل والفكر المأزوم، عند القيادات الفلسطينية الرسمية، ومن على رأس السلطة، يراهن على حل بالتفاوض لإقامة دولة فلسطينية. ولذلك عند أمام حدث كبير، يطال القضية الفلسطينية كمثل صفقة القرن بالأمس، واليوم "الضم الصهيوني" المرتقب، ردّ السلطة الفلسطينية، يبقى في إطار الرد الكلامي، والتصريحات الإعلامية، والمؤتمرات الصحفية، ومقالات ووقفات احتجاجية، وربما لاحقاً مسيرات، تظاهرات وإضرابات، في حين الرد الحقيقي يأتي من الأرض المحتلة بانتفاضات، معمّدة بالدّم والنار، يقاوم الشعب الفلسطيني، الشباب منهم والأطفال والشيوخ والنساء، بالحجر والعصا والسكين، وبما يتيسر له من إمكانيات ضئيلة ومحدودة، ويستشهدون.
آن الآوان وفي هذه اللحظة التاريخية والمفصلية، التي يتعرّض فيها ما تبقّى من الأرض الفلسطينية إلى الاحتلال والاغتصاب، وتحت مسمّى آخر كالضمّ أو الالحاق، أن تتداعي القوى الديمقراطية الوطنية العربية التقدمية واليسارية، لإطلاق أكبر عملية تضامن عربية إقليمية ودولية، والبحث بالعمق إمكانية إطلاق مقاومة عربية شاملة من جهة، والفصائل الفلسطينية مدعوة بشكل خاص إلى لقاء تاريخي، يُقيّم المرحلة السابقة، ويضع استراتيجية جديدة لقيادة النضال الوطني الفلسطيني التحرّري، وفق برنامج موحّد وجبهة مقاومة موحّدة، تشبك كلّ عناصر القوّة لديها، وتنطلق في حركة تحرّر وطني من نوعٍ جديد. ومن تعب من النضال، فليسترح كما قال المناضل والراحل الكبير جورج حبش. حتى تحرير فلسطين، فالوطن باقٍ والاحتلال إلى زوال.
الضم والاحتلال في المعنى والمضمون واحد
تشهد الأسابيع المقبلة، في فلسطين المحتلة، عملية احتلال جديدة للكيان الصهيوني الغاصب، لأجزاء من الضفة الغربية، تمهيداً لاحتلال الضفة الغربية برمتها. وتنفيذ الترانسفير، أي انتقال الفلسطينيين إلى الأردن. وذلك في إطار منهجي لمسار الحركة الصهيونية الاستيطانية الاستعمارية، التي بدأت في فلسطين، وتوّجتها بإقامة كيان صهيوني مصطنع، تحت مسمّى دولة "إسرائيل"، عام النكبة في سنة 1948.
النداء 2024. حقوق المنادى فقط محفوظة.