ويشير محلّلون يساريون بوليفيون الآن ضرورة الاستفادة من التجربة السابقة في مواجهة التحديات، بالتركيز على التعبئة السياسية وتكوين وعيٍّ شعبي، وتعزيز دور ونشاط التنظيمات الجماهيرية واستقطاب الطبقات والفئات الشعبية، آخذاً في الاعتبار أن "الحركة نحو الاشتراكية" التي يقودها ايفو موراليس، ليست حزباً موحّداً تنظيمياً وفكرياً، في داخلها أطراف تؤيّد ايفو موراليس لكنها لم تقتنع بعد بالاتجاه الاشتراكي. مما يشكّل نقطة ضعف تستغلها القوى اليمينية والرجعية ضدّ السلطة الوطنية، وخصوصاً في التأثير على التعبئة الشعبية التي تقوم بها، الحركة، وعلى وحدة عملها. هذا مع العلم أن في بوليفيا تاريخ نقابي ونضالي مشرِّف، في مواجهة طبقة رأسمالية حاكمة مرتبطة بالولايات المتحدة. وهذه القوى الرجعية تعيد الآن تنظيم نفسها وإعداد مجموعات وميليشيات، ولم تتورّع عن وضع متفجرة في 5 تشرين الثاني المنصرم، في مكانٍ كان حاضراً فيه الرئيس الفائز لويس أرسي.
وقد لخّص الرئيس السابق ايفو موراليس عند عودته في 9 تشرين الثاني من المنفى في المكسيك، ثم في عاصمة الارجنتين، في كلمة ألقاها أثناء استقبال مئات الآلاف له في العاصمة لاباز "اننا سنتابع عملنا لحماية الرئيس لويس أرسى وفي المسار التغييري، لأن اليمين والامبريالية، طامعة بمواردنا وثروتنا الطبيعية. وقد تعلّمنا من التجربة أن علينا تنظيم حركتنا، وأن نضع برامجَ اجتماعية وسياسية واقتصادية جديدة، ليكون اقتصادنا أكثر خدمة للفئات الكادحة والأكثر فقراً، وأن نعمل لتعميم الوعي الشعبي."
لقد كانت المكتسبات الاجتماعية التي حقّقها حكم إيفو موراليس للناس، وبلوغ معدل النمو الاقتصادي في البلاد 4.9% في أعوام رئاسته 2006 إلى 2016، وهذه النسبة التي لا نجدها في معظم بلدان تلك المنطقة، كانت الأساس لهذا التأييد الشعبي لمرشح الحركة نحو الاشتراكية. ويرى المتابع للأحداث والتطوارت في أميركا اللاتينية، أن الصراع الأساسي هو بين أنظمة الفقر والفساد والتبعية لهيمنة الولايات المتحدة، وبين هذه الشعوب ومطامحها في التحرّر وطنياً واجتماعياً. وأن ما يحصل من انتكاسات في بعض البلدان ينجم من سياسة التدخل الامبريالي والتواطؤ مع الرجعية الداخلية، واستغلال أية نقطة ضعف في مسيرة النضال الشعبي، ولا يقتصر التآمر على أسلوب الانقلابات العسكرية التي أصبحت مكروهة ومُفلسة من الشعوب، بل واستخدام أشكال أخرى من التدخلات والضغوط، بينها العقوبات والحرب الاقتصادية، والتواطؤ مع الرجعية المحلية ودوائر قضائية أحياناً، كما جرى في البرازيل لمنع الرئيس البرازيلي السابق اغناسيولولا، من حقّه في الترشّح، بتلفيق تهم مختلفة، كي يتاح الإتيان بالرئيس الحالي بولسونارو المعروف بتطرفه اليميني ودوره في خدمة مصالح الاحتكارات الرأسمالية المختلطة البرازيلية والاميركية الشمالية.
وفيما تواجه فنزويلا ضغوطاً سياسياً وحرباً اقتصادية أميركية ضدّ النهج البوليفاري التشافيزي، يرى الحزب الشيوعي الفنزويلي أن المعركة مع الامبريالية، تتطلّب تحصين الوضع الداخلي بتقوية دور جماهير الشعب وعماله وفقرائه، ومشاركة النقابات العمالية والهيئات واللجان الشعبية في المواقع الإدارية للمؤسسات، ومكافحة الفساد فعلياً، الذي اعتبره الرئيس نيكولاس مادورو في احتفال تسلّمه ولاية رئاسية جديدة في كانون الثاني 2019، بأنه العدو الداخلي المماثل خطره للعدو الإمبريالي. ويشير الحزب أيضاً إلى ضرورة التخلّي عن اللجوء للخصخصة وبيع مؤسسات للبرجوازية، وعمليات بيع أو تأجير استخراج ثروات طبيعة ثمينة لمدى طويل، كما يجري مع الصين وروسيا وغيرهما مثلاً، مقابل المساعدات لفنزويلا. وقد أدّى ذلك إلى خلق تمايز وتعارض بين الممارسة السلطوية وبين موقف الحزب الشيوعي الفنزويلي. الذي ناضل طويلاً وشارك بنشاط في دعم الرئيس تشافيز وتوجّهه الاجتماعي، ونهجه الاستقلالي المعادي للإمبريالية.
وفي حين شكّل الحزب الشيوعي، ومجموعات يسارية فنزويلية تحالفاً في لائحة انتخابية مستقلة عن لائحة السلطة في الانتخابات المحدّد إجرائها في 6 كانون الاوّل الجاري، قامت السلطة بمنع هذه اللائحة من حقّها الذي يكفله الدستور في الظهور في وسائل الإعلام، ومارست تضييقاً عليهم. ومع ايجابية فشل الرئيس دونالد ترامب في تجديد ولايته في الانتخابات التي جرت مؤخراً. إلا أنه لا يغيّر في جوهر الامبريالية والرأسمالية وسياساتها حيال الشعوب، والتغيير الممكن هو في الأسلوب. وهذا ما كشفته تجربة الثورة الكوبية في تعاطي رؤساء الولايات المتحدة منذ انتصار الثورة عام 1959، وما تعرفه شعوب منطقتنا من المخططات الأميركية الصهيونية العدائية المستمرة. فالحصار الاقتصادي الاميركي الاجرامي ضدّ شعب كوبا، يستمرّ منذ حوالي 60 سنة وإلى اليوم. وأن الأساسي في صمود هذه الثورة وانتصارها، هو جذرية نهجها ضدّ الامبريالية، والتلازم بين الوجه الوطني والوجه الاجتماعي للثورة وانجازاتها. وبعد خيبة واشنطن بعدم سقوط الثورة من الداخل، ثم مع الانهيار السوفياتي، أُصيبت بخيبة أيضاً بفشل مراهنتها على انتهاء هذه الثورة وتوجّهها الاشتراكي، مع وفاة قائدها فيديل كاسترو. فقد مضى 4 سنوات على رحيل هذا القائد التاريخي الثوري والأممي، وبقي ويبقى حيّاً في الثورة التي قادها، وفي دوره البارز في الحركة التحرّرية والثورية العالمية.