ومن المعيب أيضاً على دولٍ من المفترض فيها أن تكون رصينة وهادئة ومتّزنة أن تقوم بردات فعل عصبية أو صبيانية بدل أن تكون رافعة للعمل العربي المشترك بمواجهة الأخطار المحدقة بالمنطقة. تخيّلوا مثلاً لو "عصّبت" الولايات المتحدة أو ايران أو تركيا أو غيرها كلّما انتقدها أو حتى شتمها مسؤول لبناني حكومي أو حزبي، فحردت وهددت وسحبت دبلوماسييها. يقضي عدد من السياسيين وقتاً وازناً في مهاجمة دول أخرى، عن حقّ أو عن غير حقّ، فهل تغضب دول وحكومات من تصريحات لفظية فتعاقب حكومات وشعوب؟
وعلى المقلب الآخر، لا شكّ أن الوزير قرداحي، الذي تدور الأزمة اليوم حول تصريحه، هو من النوع الذي لا يستطيع عاقل أن يدافع عنه. فهو الذي كان يكيل المديح لنفس الدول عندما كان عاملاً في مؤسساتها، وهو الذي أشاد مراراً بعدد من الأنظمة العربية، على اختلاف صراعاتها، وهو الذي كانت باكورة تصريحاته في وزارة الاعلام دعوةً لوسائل الاعلام لعدم استضافة المنتقدين "المتشائمين" كما سماهم، ومن ثمّ تصريحاته بوجوب ضبط وسائل التواصل الاجتماعي لمنع شتم السياسيين! هو الوزير الآتي من مدرسة الرقابة وكم الأفواه وضبط التصاريح وكأنّه خارج التاريخ في زمان وسائل التواصل، فوقع هو ضحيّة لقمعيين لا يقبلون النقد والاعتراض أكثر منه.
السعودية اليوم ومعها بعض دول الخليج تنقضّ على الشعب اللبناني وكأنّه ينقصه مصيبة فوق لعنات قادته وسياسييه، فيما قطار التطبيع يقلع بسرعة صاروخية مع العدو الصهيوني، وكأن العدو المحتلّ صار أقرب إلى تلك الدول من لبنان المطلوب ترويضه وإخضاعه لمطاوعي العالم العربي.
لا لهذا الإذلال والتنمّر على لبنان واللبنانيين، ولا لهذا التعاطي مع اللبنانيين وكأنهم حاشية أو مستعبدين عند أمراء النفط، بحيث يمنع عنهم أي رأي أو كلام إذا أرادوا التنعّم بمال السلطان.
اللبنانيون ليسوا متسولين في الخليج ولا أهل ذمّة. الطبقة العاملة اللبنانية تعمل هناك بعرق جبينها وكرامتها، فتبني وتعمّر وتنتج لتكسب جزءاً صغيراً من قيمة قوّة عملها الحقيقية. على دول الخليج وعلى كل العالم أن يتعامل مع العمال اللبنانيين باحترام وكرامة ونديّة لا كورقة ابتزاز مستضعفة كما هو حاصل اليوم.