يضم الكتاب، الذي صمم غلافه الفنان القدير الدكتور فلاح حسن الخطاط، ويقع في حوالي 250 صفحة من القطع المتوسط، 7 فصول تبدأ بمقدمة ضافية تحمل عنوان (أسئلة إبسن)، وتغطي أكثر من 30 صفحة. وتركز فصول الكتاب السبعة على هنريك إبسن باعتباره رائدا للحداثة، وتدرس جمالياته، وتحلل شخصياته النسائية، ليستخلص الكاتب في الفصل الأخير أن إبسن مايزال معاصرنا. وفي خاتمة الكتاب نجد ملحقا يتضمن التسلسل التاريخي لحياة إبسن وقائمة بما أنجز من أعمال مسرحية.
ومما جاء في نص الغلاف الأخير أن "هذا الكتاب يسعى الى إضاءة أسئلة إبسن، وموقعه كرائد للحداثة في المسرح، ومنهجه الجمالي، وواقعيته، ومواقفه في سياق تحليل البنية الاجتماعية، ونظرته الى الحرية، وكشفه لاضطهاد النساء وندائه لتحريرهن.
ومن الطبيعي أن تضيء مقاربتنا النقدية هذه الموضوعات عبر تحليل عدد من مسرحياته وشخصياته النسائية المميزة، لنستخلص، في خاتمة المطاف، أن إبسن مايزال معاصرنا.
إن مواصلة مسارح العالم تقديم مسرحيات إبسن حتى أيامنا الحالية، حيث نوشك أن ننهي الربع الأول من القرن الحادي العشرين، هي أسطع دليل على أن إبسن يحتل المكانة الأعظم بعد شكسبير".
ويذكر المؤلف أن مسرحية إبسن المميزة (بيت الدمية) أثارت ضجة عند ظهورها الاسكندنافي عام 1879. ففيها، وفي المسرحية التي تلتها (الأشباح) – 1892، وفي سائر مسرحياته، سلط إبسن الأضواء على المواقف التي تركها المجتمع المنافق من دون بحث أو تساؤل. وجسدت تصورات بطلات مسرحياته حول المجتمع ووضعهن فيه وضوحا مايزال دراماتيكيا على نحو مذهل.
ويشير الظاهر الى أن إبسن، أكثر من أي كاتب مسرحي آخر، أسس الواقعية كأسلوب حي في المسرح. وكانت الواقعية بالنسبة له أسلوبا مسرحيا، وموقفا فلسفيا. فنحن نجد الواقعية فاعلة في حوار إبسن ومشاهده وخلقه للشخصيات، وكذلك في نقد مسرحياته العميق للمثل البرجوازية. ولم يكن إبسن أول كاتب مسرحي واقعي، لكنه يبقى الأكثر تأثيرا بين من مارسوا هذا المنهج.
ويرى المؤلف أن استيعاب إبسن في الحياة الثقافية في مختلف أنحاء العالم يجري تجسيده عبر استمرار تقديم مسرحياته، وإن الاتجاهات والأجواء النرويجية لمسرحياته لم تمنع عشاقه في أواخر العصر الفكتوري (برنارد شو، إدموند غوس، وإليانور ماركس) من الادعاء بأنه إبسنهم. وفي أيامنا الحالية يمكن قول الشيء نفسه بالنسبة لدائرة قرائه الواسعة وجمهوره المسرحي الهائل.
ويقول الكاتب "إن مسرحيات إبسن، التي اتسمت بغنى الموضوعات وجمالية الخصائص الفنية، تنبأت بالتطورات الكبرى في القرنين العشرين والحادي والعشرين. فصورت مشاعر اغتراب الفرد عن المجتمع، والأغلال التي تكبل فرديته. وكشف إبسن عن ضغوط الحياة الحديثة بتصويره الصراعات الداخلية التي تحبط المرء وتؤدي الى تدميره".
ويضيف أن من بين القيم الأساسية لدى إبسن قيمة الحرية، التي كان يعتقد أنها ضرورية للانجاز الذاتي. ويميز إبسن، على نحو خاص، التناقضات بين القابلية والرغبة، والارادة والظروف، وامتزاج تراجيديا وكوميديا البشر والفرد.
وحسب رضا الظاهر يظل سؤال علاقة إبسن بالنسوية، سواء أشار المرء بشكل خاص الى حركة النساء في مطلع القرن العشرين أو بشكل عام الى النسوية كآيديولوجيا، سؤالاً مثيراً للجدل. فالرأي الذي يدعم إبسن كنصير للاتجاهات النسوية يمكن أن ينظر إليه متجلياً على امتداد طيف واسع من المواقف مع إبسن كاشتراكي بمعنى ما في طرف وإبسن كإنساني في الطرف الآخر.
ويذكر الكاتب أن الناس في مختلف أنحاء العالم شاهدوا نسخاً كثيرة من مسرحيات إبسن على المسرح، أدتها ممثلات هن أنفسهن مجسدات تجربة مسرحية عظيمة. ولكن بالنسبة لنا فإن المأثرة العظمى تتمثل في أن إبسن، على الرغم من كونه رجلاً، يعبر عن غضب النساء عبر الأجيال. ولعل الرجل المسرحي الآخر الذي فعل هذا هو برتولد بريخت. وبالتالي فان إبسن وبريخت يظهران مآسي الرأسمالية عبر إضاءة الظلم الذي تسببه للنساء، وبالتالي يساعداننا في فهم العالم من أجل تغييره.
وفي الفصل الخامس الذي يحمل عنوان (مصائر الشخصيات النسائية)، وعلى امتداد ما يقرب من 50 صفحة، يحلل الظاهر، على نحو نقدي منهجي، أبرز الشخصيات النسائية في مسرحيات إبسن: نورا (بيت الدمية)، لونا هيسل (أعمدة المجتمع)، السيدة ألفنغ (الأشباح)، بيترا ستوكمان (عدو الشعب)، ريبيكا ويست (روزمرشولم)، هيلده فانغل (البنّاء العظيم)، إليدا فانغل (حورية البحر)، وهيدا غابلر (هيدا غابلر).
ويضيء الكاتب تعاطف إبسن العميق مع شخصياته النسائية، مذكّرا بملاحظاته الأولى حول مسرحية (بيت الدمية) حيث قال "إن المرأة لا يمكن أن تكون نفسها في المجتمع المعاصر. إنه مجتمع ذكوري، على وجه الحصر، بقوانين كتبها رجال وبمجلس وقضاة يحكمون على السلوك الأنثوي من وجهة نظر ذكورية".
وفي الفصل الأخير (إبسن معاصرنا) يقول المؤلف الظاهر إنه "بعد ما يقرب من قرن ونصف من الزمان ما تزال مسرحية إبسن الشهيرة (بيت الدمية) تقدم على مسارح العالم بأشكال ورؤى جمالية متنوعة، وماتزال تلهم السينما والفنون عموما، ناهيكم عن النساء المكافحات من أجل حرياتهن وحقوقهن. فلماذا تبدو لنا أحداث ظهرت عام 1879 مألوفة في أيامنا ونحن في العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين؟"
ويضيف أنه "ماتزال النقاشات محتدمة بشأن دور النساء في المجتمعات المتغيرة، وماتزال هذه المسألة وثيقة الصلة بالحراك الاجتماعي الراهن. صحيح أن الواقع الاجتماعي تغير، غير أن القضايا التي ناقشتها (بيت الدمية)، من الأدوار العائلية الى القيم الأخلاقية، ماتزال راهنة. وما كان صادما في زمنه بشأن فعل نورا، مايزال صادما في زماننا".
ويضيء المؤلف حقيقة إن (بيت الدمية) تركز، في جوهرها، على الصراع بين الرجال في السلطة والناس الذين تحت حكمهم. وبعد ما يقرب من قرن ونصف من الزمان مايزال جوهر هذا الصراع قائما. وما تزال قصة (بيت الدمية) هي ثاني مسرحية من حيث سعة الاخراج والتقديم على المسرح بعد (هاملت) شكسبير.
هذا وللكاتب رضا الظاهر، المعروف بعموده النقدي الأسبوعي (تأملات) الذي ظل ينشر كل ثلاثاء على مدى تسع سنوات في صحيفة (طريق الشعب) وصدر في كتب عدة، العديد من الأبحاث والدراسات والمقالات في الثقافة الجمالية ونقد الرواية، فضلاً عن أربعة كتب مترجمة في هذا الميدان هي: “الدون الهادىء ليس هادئاً”، “جماليات الصورة الفنية”، “الوعي والابداع – دراسات جمالية ماركسية”، و”الثقافة الروحية والتفكير الجديد”.
وفي إطار مشروعه النقدي درس العلاقة بين المرأة والأدب، ككاتبة وكشخصية في الرواية، وله في هذا المجال ثلاثة كتب: (غرفة فرجينيا وولف .. دراسة في كتابة النساء) و(الأمير المطرود .. شخصية المرأة في روايات أميركية) و(أمير آخر مطرود .. شخصية المرأة في روايات بريطانية).
وفي إطار بحثه في الماركسية والثقافة لديه كتابه الصادر عام 2005 والموسوم (موضوعات نقدية في الماركسية والثقافة).
وأصدر، عام 2009، كتابا عن روزا لوكسمبورغ هو (النسر المحلق .. تأملات في مثال روزا لوكسمبورغ)، كما أسهم في إضاءة الحراك الاحتجاجي من خلال كتابه الموسوم (اقتحام السماء .. تأملات في الحراك الشعبي)، الصادر عام 2016.
وفي عام 2021 أصدر الظاهر كتابه (ماركس .. هل كان على حق؟)، فيما أصدر عام 2023 كتابه الموسوم (اضطهاد النساء .. مقاربة نقدية).