منذ أن التقينا وكلانا ارتدى الحلة الحمراء على طريقته، ومن موقعه الطبقي. كان الانتساب يومذاك شرفاً، وكان للنضال مكانة رفيعة وهمّ يومي في متابعة الاحداث والتطورات، ولو كنا في مناطق جغرافية متباعدة، لكن الهدف واللقاء واحد. حتى لحظة الغياب لم تتغير، على اعتبار أن كثيرين شهدوا نهايات ملتبسة إن لم تكن مشبوهة، ورشقوا الوردة الحمراء بما تيسر من داخليتهم من انتهازية وبغضاء وأنانية.
لكن الوردة الحمراء لم ولن تذبل أو تلقي أوراقها هباء، والمستقبل سيكون من نصيب الذين بذلوا العطاءات والجهد والنضالات والاستشهاد في الليالي وقاوموا في وضح النهار "والشمس طالعة والناس شايفة".
أيها الرفيق الغالي، كانت الحياة تضج بك ولم تتسع لأحلامك وجهدك. كانت أحلامك/ نا/ كبيرة في زمن السقوط المدوي والمريع وانهيار القيم، وبخاصة على الصعيد الإعلامي الذي بات السقوط فيه مدوياً نزقاً من غير معالم واضحة، ولا رسالة هادفة أو قضية واضحة. عصر انحطاط رهيب إلا ما ندر. بات الارتهان واضحاً خارجياً وداخلياً، وماتت القضايا واندثرت الأهداف وسقطت البرامج التطويرية من هذا الإعلام ووصلنا إلى حد الغثيان.
بعد رحيل الرفيق الغالي رضوان حمزة تنكبت/ نا/ العمل والهمة من أجل استمرار إذاعة "صوت الشعب" وتطوير العمل في مجلة "النداء"، وكانت سهرات ليلية ونقاشات يومية حول كيفية الاستمرار والتطوير والخروج نحو الآفاق الرحبة، في ظل الظروف الصعبة، وتنكبت مهمة الإشراف على الأخبار في الإذاعة والمجلة، وبدا واضحاً إلى حد ما أسلوبك ونهجك في الإدارة، فكان الهدف في الإذاعة التخلي عن العمل الورقي والانتقال نحو أسلوب تقني - مهني جديد. أما مجلة "النداء"، فالأعداد التي أشرفت على إصدارها شاهدة على نقلة نوعية من ناحية الموادّ والإخراج حتى آخر كلمة وصورة.
لكن الظروف لم تسمح بالاستمرار ولم تسرِ الرياح كما اشتهيت/ نا/.
عملك اليومي في جريدة "السفير" والجهد الذي بذلت، لا يقدّر بتعب الليالي، لكنه شاهد على نشاطك، وما قدمت في تحرير الأخبار والمعلومات، وإدارة القسم العربي والدولي في الصحيفة. "لقد وجدت نفسي في هذا الموقع"، كنت تردّد دائماً، من ناحية القضية والانتماء والتعبير.
الحديث عن علاقات الرفيق وسام مع الزملاء والرفاق من الصعب تلخيصها ببضع كلمات أو أسطر. إذ كان قولاً وفعلاً مثال الشخص المخلص الوفي في أصعب الظروف، وعلى طريقته المعهودة "محلولة يا رفيق"، يقدم أغلى ما عنده وببساطة دون تملق أو انتظار رد الجميل، مساعداً الزملاء بكل شاردة وواردة. كثير من الزملاء يعملون اليوم في الحقل الصحافي والإعلامي بمساعدة منه، بعد أن وضع هو اللبنة الأولى في تدريبهم وتدرجهم في المهنة.
أما عمل وسام متى الشخصي وإنتاجه على الصعيد المهني، فلخصه في موقعه الشخصي الإلكتروني "بوسطجي"، الذي وضع جهداً كبيراً لتطويره وتقديم الأفضل، من ناحية الكتابة والشكل، ثم موقع "المسكوبية" الذي عملنا معاً على تطويره وترجمة ما أمكن من اللغة الروسية إلى العربية، وكما قال: إنه جسر بين روسيا والعالم العربي. كان دأبه الأخير هو إنشاء المسكوبية -إف إم- التي بدأت البث باللغة الروسية وتقديم الأغاني الروسية، وكانت هناك أفكار كبيرة وكثيرة لتطويرالموقع، لكن الزمن لم يسعفه وكان الرحيل المؤلم. كانت له كتابات ومواقف التحليلية، سواء فيما يخص العالم العربي، ومقالات وترجمات من الإنكليزية والروسية في موقع "بوست 180"، ناهيك بالكثير من المقابلات الإعلامية التي كان يستشف من خلالها التطورات الإقليمية والدولية.
عشقه لروسيا وعمله في وكالة "سبوتنيك" دفعاه إلى تعلم اللغة الروسية، من أجل الحصول على المعلومة من المصدر، وكم من المرات زار روسيا، وفي كل مرة يزورها يزداد حبه وعشقه لشعبها وثقافتها ومسارحها وتاريخها. وموقع "المسكوبية" خير شاهد على هذا الحب والعشق والترجمات التي قام بها وأثرَتْ بلا شك معرفة القارئ العربي.
أمّا طرائفُه الجميلة فقد طالت الجميع على طريقته المعهودة، وبكل جدارة نال لقب "فيليمون وهبة الصحافة"، فكانت النكتة جاهزة عبر الصورة أو التعليق سواء على صفحته على "فايسبوك" أو بالمباشر. إنه الضحكة الدائمة. صاحب القلب الطيب الرقيق. لم يعرف الكره أو الحقد او الحسد. كلماته: "بسيطة - محلولة - انسَ" وغيرها، أما الكلمة الأحب إلى قلبه فكانت "يا رفيق"، ولو كره الكارهون .
كان يحبس ألمه ومتاعبه مهما كانت، ويولي لعائلته الاهتمام الكبير والحب الذي لم يبخل به قطّ. بعد رحيله، أبى والده إلا أن يلحق به بعد أربعين يوماً بالتّمام. وعده أن يلحق به ولم يحنث بالوعد. ما هذه المفارقة في المحبة والألم. وكم هي لئيمة الحياة.
هكذا كانت صفات الرفيق الذي غادر دون استئذان، تاركا ألماً وغصّة في قلب محبّيه.
الغالي وسام، لروحك السّلام.