كاميلو توريس: في ذكرى رحيل الأب الكاثوليكي المسلّح

كاميلو توريس، المقاتل الكولومبي الرّائع الذي كرّس حياته للنضال من أجل الحريّة، ومناهضة الظّلم والفساد واللامساواة.
ولد كاميلو في بوغوتا، العاصمة الكولومبية، في 3 فبراير 1929 في عائلة غنية. كان والده طبيباً متميزاً، ليبراليّاً في تطلّعاته السّياسية. عاش وعائلته في أوروبا، وبعد تخرجه من المدرسة الثانوية في عام 1946، عاد إلى كولومبيا حيث عاين اللامساواة الاجتماعية والظلم والفقر المدقع، وبدأ في هذه المرحلة، يتفتّح وعيُه السّياسي.

سافر إلى بلجيكا لدراسة علم الاجتماع. أطروحة تخرّجه عام 1958، كانت بعنوان "البروليتاريا في بوغوتا". ناقش فيها الفقر في كولومبيا فاعتبرت إنجازًا بالغ الأهمية تمّ تداولها على نطاق واسع في كولومبيا وأمريكا اللاتينية.

عندما عاد إلى بوغوتا قام بتكثيف عمله السياسي من خلال توعية الطلاب والطبقات المستغلة في الأحياء. تمرّد على التّسلسل الهرمي التقليدي، وعادات الكنيسة الكاثوليكية وسرعان ما جعله هذا التّمرّد في مواجهة مع كبار الكهنة في الكنيسة. وبما أنّ المحافظين في الكنيسة لم يتفقوا مع تنظيمه للطلاب ولا مع تفكيره الرّاديكالي المناهض للرأسمالية، فقد طُرد من الجامعة الوطنية وتمّ إيقاف تمويل دراساته الأكاديمية في علم الاجتماع.

كان تفكيره السّياسي يتطوّر بخطى سريعة وشعر بالاشمئزاز من الفقر والبؤس الذي شهده وسعى إلى إيجاد نوع ما من التفسير المادي لأسباب عدم المساواة. أدى ذلك إلى تبنيه خليط غريب من أفكار الماركسية والمسيحيّة.
لقد أدرك أنّه من الضروري إحداث تغييرات جذريّة في المجتمع الكولومبي، وكسر قبضة الإمبريالية، وبدأ في الدّعوة إلى مجتمع جديد ذي طابع اشتراكي.

نظّم "الجبهة المتّحدة للشعب" وهي حركة إجتماعيّة، تهدف إلى المطالبة بحقوق العمال والفقراء عبر مظاهرات وحملات توعويّة، في الأحياء والجامعات والمصانع. لكن اضطهاد الدولة لهذا التيار كان قاسياً وتمّ تعقّب العديد من النشطاء واعتقالهم.

استنتج الأب "كاميلو"، بأنّه كان من الضروري تحطيم الدّولة الرّأسمالية. لكن كيفية القيام بذلك لم تكن واضحة تماماً في تصوراته.

عام 1964، أجرى اتصالات مع جيش التحرير الوطني (ELN)، وهو جيش حرب العصابات الذي تمّ إنشاؤه مؤخرّاً، بوحيٍ من الأحداث في كوبا وأفكار تشي غيفارا. في أكتوبر 1965، قرّر وقف نشاطاته النظريّة في الحركة الجماهيريّة وذهب بدلاً من ذلك إلى الجبال للانضمام إلى قوات جيش التّحرير الوطني.

في 15 فبراير 1966، استشهد خلال مشاركته الأولى في القتال ضد جيش الدولة. نعاه آلاف الفلاحين الذين رفعوا الزّهور والصلبان على شرفه.

أخفى الجنرال ألفارو فالنسيا توفار، الذي قاد مجموعة الجنود التي قتلت كاميلو توريس، جسده ودفنه في مكان مجهول. وعلى الرغم من المطالبات الحثيثة من أسرته وأصدقائه وخاصة الحركة الاجتماعية التي نشط في صفوفها، لا تزال جثته في مكان غير معروف.

كاميلو كان ثوريّاً نزيهاً أراد وضع حد لنظام يولد هذا البؤس لملايين الأشخاص المضطهدين. لقد كان مثالاً لشخص، نشأ في بيئة برجوازيّة، لكنّه لم ينفصل عن هموم شعبه، وعبّر عن بغضه تجاه النّظام الرّأسمالي وانضمّ إلى صفوف الحركة الثوريّة. وقد صنّف نفسه منذ البداية:
"أنا ثوري كولومبي، عالم اجتماع، مسيحي وكاهن.
كولومبي: لأنني لا أستطيع أن أتجاهل نضال الشعب.
عالم اجتماع: لأن المعرفة العلمية التي لدي عن الواقع دفعتني إلى الاعتقاد بأنه من غير الممكن إيجاد حلول تقنية وفعالة بدون ثورة.
مسيحي: لأن محبة الآخر (أخي في الإنسانية) هي جوهر المسيحية والثورة هي فقط التي يمكن أن تحقّق رفاهية أغلبية النّاس.
كاهن: لأنّ الثّورة تتطلّب تضحية كاملة بالذات من أجل الخير العام وهذا يتطلّب التّحلي بالمحبة الأخوية الضروريّة لتحقيق ذبيحة القداس، التي هي هديّة لكافة الشعوب.

أحدثت حياة "الكاهن كاميلو" انقلاباً في المفاهيم السّائدة، وأثبت أنّ الثّوار أكثر خطورة على البرجوازية، إذا عملوا جنباً إلى جنب مع الجماهير في المصانع والأحياء والمدارس.
من أقواله: لو كان المسيح بيننا لكان محارباً ضمن العصابات الثورية المسلّحة.

  • العدد رقم: 352
`


لينا الحسيني