تطور الحركة الشعبية في المغرب

على إثر استقلال المغرب عن فرنسا عام ١٩٥٦، قامت حركة احتجاجية في الريف المغربيّ نادت بتحسين الأوضاع المعيشية. بعد سنة واحدة على المحاولتين الانقلابيتين اللتين استهدفتا الإطاحة بالملك الراحل الحسن الثاني في سنتي ١٩٧١ و١٩٧٢، اختار أعضاء في الاتحاد الوطني للقوات الشعبية (الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية لاحقا (مواجهة نظام الحسن الثاني بالكفاح المسلح على طريقة الزعيم الأممي الثائر "تشي غيفارا" في الجبال تمهيداً للقيام بأعمال مسلحة في المدن ولكن تمت محاصرة مجموعة من المقاتلين الثوريين بعد عملية تبادل إطلاق النار جرت في الأطلس المتوسط (عرفت بأحداث مولاي بو عزّة)، لينتهي الحلم الثوري باعتقال مئات من المناضلين بينما نجح البعض في الفرار عبر الحدود المغربية الجزائرية.

كانت تسمى هذه الفترة " سنوات الرصاص " حيث تمّ اعتقال كلّ المنشقين وضربهم واعدام البعض منهم. وبالرغم من ذلك فقد تمكنت وسائل الإعلام الأجنبية -خاصة الفرنسية منها- من توثيق مئات الاغتيالات السياسية والاختفاء القسري في حق سياسيين معارضين ونشطاء حقوقيين. في تلك الفترة أيضاً، فرض النظام رقابةً شديدةً على وسائل الاعلام ودور النشر والمنتديات الثقافية اذ كان يسمح فقط للصحف الموالية له بالصدور.

عمل النظام المغربي بقيادة الحسن الثاني على نهج سياسة الاعتقالات التعسفية والتعذيب والترهيب في حقّ كل المعارضين وحاول صُنعَ بلد ذو اتجاه سياسي واحد يقوم فيه الكل على مبايعة الحسن، وقد أعدم الحسن الثاني معارضيه في صبيحة يوم عيد الأضحى في تشرين الثاني من عام ١٩٧٣ ضمن ٨٤ حكما بالإعدام غيابياً وحضورياً. انّ مغزى نظام الحكم من اختيار يوم عيد الأضحى لإعدام معارضيه وإزهاق أرواحهم لم يكن اعتباطاً أو صدفةً، إنما هو عن عمد لإشاعة جوّ الإرهاب في ذاكرة الشعب الذي سُلبت منه حتى فرحة العيد. وفي جانب آخر، يردّ فيه على من انتفضوا ضده في ٣ آذار/مارس من العام ١٩٧٣ أي يوم احتفاله بـ “عيد العرش".

وعندما اندلعت الانتفاضات العربية، كان للمغرب نصيب في هذه الاحتجاجات حيث تمّ تأسيس حركة " ٢٠ فبراير" عام ٢٠١١. طالبت هذه الحركة بإسقاط النظام مطالبةً بإصلاحات سياسية في البلاد. تكوّنت الحركة من قوى سياسية وحقوقية حيث بالعيش بكرامة وحملت شعار "مغرب حرّ وديمقراطي". طالبت هذه الحركة بدستور جديد يمثّل الإرادة الحقيقية للشعب، وحلّ الحكومة والبرلمان وتشكيل حكومة انتقالية مؤقتة تخضع لإرادة الشعب، وكما طالبت الحركة بقضاء مستقل ونزيه، ومحاكمة من وصفتهم بالمتورطين في قضايا الفساد واستغلال النفوذ ونهب ثروات البلاد، والاعتراف باللغة الأمازيغية كلغة رسمية إلى جانب اللغة العربية، مع الاهتمام بالخصوصية المغربية لغةً وتاريخاً وثقافةً. إضافة الى ذلك، طالبت بإطلاق سراح كافة المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي وإطلاق الحريات، وتشغيل العاطلين عن العمل، وضمان حياة كريمة والحدّ من غلاء المعيشة ورفع الأجور وتعميم الخدمات الاجتماعية.

 

في ٢٨ تشرين الاوّل عام ٢٠١٦، تعرّض الشاب محسن فكري لعملية " طحن " حقيقية بشاحنة لجمع النفايات بميناء الحسيمة (أقصى شمال المغرب). مباشرةً بعد ذلك، خرج الآلاف من شباب المدينة احتجاجا على هذه الحادثة وانضمّ إليهم آلاف من باقي مدن الريف. بادرت السلطات الأمنية، وعلى أثر هذه المظاهرات، لاعتقال الكثير من أعضاء هذا الحراك. هذا ويذكر أن للحراك الشعبي مطاب ثلاث أساسية سنوجزها بالتالي:

أولاً: نشاء مستشفى للسرطان بحكم أن منطقة الريف عندما كانت تقاوم الاستعمار الاسباني كان قد قصفها بالغازات السامة، وجرّاء هذا الامر أصيب العديد من سكّان المنطقة بالسرطان.

ثانياً: لطالما كانت المنطقة محاصرة اقتصادياً وهذا واحدة من تداعيات الحصار في ١٩٥٨ و١٩٥٩ هناك ظهير على شكل مرسوم صدر بعد أن انتفض اهل الريف في ١٩٥٨ و١٩٥٩ بسبب ظروف المعيشة- أصدر الملك الحسن الثاني بعد أن قتل الريفيين واغتصب نسائهم، أصدر تعليمات تعتبر فيه منطقة الريف ومدينة الحسيمة خصوصا منطقة عسكرية يعني ان أي مستثمر يأتي بغرض بناء مصانع ومعامل تجيبه الدولة بأن المنطقة معسكرة وقابلة لان تشتعل في أي وقت، وبذلك يكون قد حرم هذه المنطقة من الاستثمار والتنمية الاقتصادية بحجّة التخويف منها. هذا والجدير ذكره أن معظم ابناء المدينة اضطروا للهجرة الى اوروبا خصوصا هولندا وبلجيكا ليعينونا عائلاتهم يعانون من سياسة التهجير.

ثالثاً: انشاء جامعة بحكم ان مدينة الحسيمة لا توجد فيها جامعة مما اضطرّ أبناء المدينة للنزوح منها وبالتالي تزيد الأعباء المادية على ذويهم لتأمين لهم دراسة ومن ثمّ توفير فرص العمل.

ومثل باقي الانظمة العربية التي واجهت الاحتجاجات الشعبية بالقمع الأمني، سار النظام المغربي على هذا المنوال. في الآونة الأخيرة، ازدادت وتيرة الاعتقالات والمحاكمات بسبب الرأي والنشاط السياسي وشملت القائمة عدد كبير من الفنانين والمدونين والصحافيين. منهم من لقي أحكاماً ثقيلة ومنهم من ينتظر النطق بالحكم جلسة تلو أخرى. هذا واستغلّت السلطات الحكومية الأجواء السياسية هذه لتغلق فضاءات النقاش العمومي، ولتهيمن على الإعلام السمعي البصري ولتقمع الصحافة المستقل، وتحاصر المجتمع المدني والأحزاب الديمقراطية مانعةً إياها من ممارسة دورها الرقابي والتعبويّ. أما من جهة الحراك الشعبي، فقد رفض " زعماء الحراك " الجلوس مع ممثلي الدولة كالسلطات المحلية فطالبوا بمحاورة الملك مباشرةً أو وفد رسمي يمتلك من الصفة والوظيفة ما يكفي لإجراء الإصلاحات وبالتالي يستطيع التقيّد بالمقررات متى صدرت وباستطاعتها أن تنفذّ ما قد يتم الاتفاق عليه في المفاوضات.