"جمول" الصفحة الأكثر إشراقاً في تاريخ لبنان الحديث


ثمانية وثلاثون عام مضوا، ونحن نلح على ذكرى انطلاقة جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية"جمول"، لانها القرار التاريخي الثوري الاصح، ولانها الاجمل ودرة الكفاح الوطني اللبناني، والصفحة الاكثر اشراقا، في تاريخ لبنان الحديث.


فهي شكلت باهدافها وادائها، والابعاد الوطنية لأبطالها، وهم العابرون للمناطقية والطوائف. فجمعت في صفوفها، رفاقا واصدقاء، من كل ارجاء الوطن، تتصف بالتنوع وبيئات اجتماعية وثقافية مختلفة، ومن مختلف ينابيع الموروث الديني والطائفي، والمدون في الهوية، وأعلنت في يوم انطلاقتها، في السادس عشر من ايلول عام 1982، ان مهمتها هي تحرير الأرض والإنسان، فكان الربط بين التحرير والتغيير الديمقراطي.
وبانها الرد على مروجي ثقافة الهزيمة انذاك، ممن دعم وغطى العدوان، وخاصة سعي الانظمة الرجعية العربية، الى تعميم اتفاقية كامب دايفيد، بعد احتلال العدو الصهيوني لثاني عاصمة عربية وهي بيروت بعد القدس، ومطالبة اليمين الرجعي، بالإقرار والانصياع لواقع الهزيمة، لان العصر الإسرائيلي قد بدأ بحسب زعمهم؟!. فكان الرد قرب صيدلية بسترس ،"انه عصر المقاومة ايها الاغبياء"، كما جاء بالخط العريض والاحمر في الصفحة الاولى لجريدة "النداء" صبيحة السابع عشر من ايار، مرفقا بالبيان الاول لجبهة المقاومة الوطنية اللبنانية، والاعلان عن العملية الاولى، حيث جرى القاء قنبلة على تجمع لجنود الاحتلال ،قتلت وجرحت ثمانية عناصر منهم.
ويتصدى جورج قصابلي ومحمد مغنية لرتل من الدبابات، في منطقة الوردية ويستشهدان معا، اوائل شهداء جمول على درب التحرير، ويرسمان خارطة الوطن الذي نريد، على شاكلتهما، وكان قد سبقهم الى الاستشهاد قاسم الحجيري، وهو يدافع عن مبنى جريدة"النداء، ثلاثة شهداء من محافظات مختلفة، عابرين للمناطق والطوائف، رسموا بدمائهم خارطة الوطن الجميل، والنظام الوطني الديمقراطي،الذي يطمحون لبنائه، يشكل النقيض لنظام طائفي تحاصصي قائم، مولد الحروب الاهلية والازمات.
وراح رجال المقاومة يلاحقون جنودالاحتلال من حي الى حي ومن شارع الى شارع، فراحوا يستغيثون وينادون بمكبرات الصوت:"يا اهالي بيروت، لا تطلقوا النار على جيش الدفاع الإسرائيلي، نحن منسحبون". وهنا تترجم على ارض الواقع، كلمات الشهيد الكبير مهدي عامل الى حقيقة وفعل، "لست مهزوما ما دمت تقاوم".
هي الذكرى الاجمل، لانه في 16 ايلول، ظهرت فيه بيروت، بابهى حلتها الوطنية العروبية، المناهضة لكل المشاريع والاحلاف والتبعية. فتصدت للعدوان الهمجي والاحتلال الصهيوني ببطولة، وراح ابطال جمول بعد تحرير بيروت، يطاردون جنود الاحتلال، وعلى امتداد ضواحي بيروت والجبل والبقاع الغربي وطريق خلدة- صيدا، الذي سمي انذاك طريق"هوشي منه" تيمنا بقائد المقاومة الفيتنامية، وحرروا اكثر من 80 بالمئة من اراضي لبنان، من رجس الاحتلال، ودفعتهم المقاومة الى الانسحاب، لمناطق عرفت فيما بعد بالشريط الحدودي.
ليت المجال يتسع لسرد وقائع العمليات البطولية "لجمول"، وهي مؤرخة وموثقة منذ السبعينات، لمن يريد كتابة تاريخ المقاومة في لبنان . بدأت بتأسيس الحرس الشعبي، الى قوات الانصار، الى جبهةالمقاومة الوطنية اللبنانية، تاريخ من الكفاح والنضال ضد الكيان الصهيوني الغاصب.
وتم تحرير ما تبقى من الشريط الحدودي، عام 2000 على يد المقاومة الاسلامية، وبقيت أجزاء عزيزة من اراضي الجنوب محتلة من قبل العدو الإسرائيلي، ونعني مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والجزء اللبناني من قرية الغجر. بعد انكفاء المقاومة الوطنية، لاسباب داخلية اي ذاتية وموضوعية، وهذا موضوع آخر.
شكلت جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية، نموذجا رائدا، لحركات التحرر والمقاومة، العربية منها والعالمية، ومثالًا يحتذى به، لكل الشعوب التي تسعى الى التحرر من الاحتلال، وبناء انظمة ديمقراطية، فالمقاومة ثقافة وتعني كل اشكال ومستويات والمقتضيات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتعني تحريرالارض والانسان.
نستلهم من "جمول" في ذكراها وانتصارها الدروس والعبر،
اولا -ان البعد الوطني والديمقراطي والثوري التغييري هو الذي يحمي المقاومة ويحصنها.فتصبح المقاومة قضية الوطن، بكل فئاته واطيافه. وليست لفئة او طائفة، مقاومة تتماهى مع التغيير الوطني الديهقراطي. والانتفاضة الشعبية التي تشهدها ساحات لبنان، ضد نظام طائفي وتحاصصي فاسد وقاتل لشعبه. كما اثبت انفجار المرفأ الأخير، والحرائق المتنقلة، بتنا نشهدها كل يوم. ويعملون على وضع البلد تحت الوصاية والانتداب الفرنسي من جديد، وصاية تتقاطع مع المشاريع الاميركية القديمة والحديثة، كالمشروع القديم"الشرق اوسط الجديد"، "وصفقة القرن" المستجدة لتصفية القضية الفلسطينية، بدعم من انظمة عربية رجعية بدأت بالتطبيع المجاني مع العدو الإسرائيلي.
ثانياً- ان اسقاط هذا النظام والاطاحة بالمنظومةالسياسية، التي حكمت البلد، وادخلته في انهيار اقتصادي ومالي. أصبح ضرورة تاريخية. فبدل ان تسلم السلطة بعجزها، تراهااليوم مستعدة لانهاء الوطن، وكشف الناس في امنهم الصحي والمعيشي والبيئي والتنموي، وحتى في امنهم الذاتي، ونشرالفقر والجوع. واستجداء الدول لارسال المساعادات الغذائية والأدوية ، ومن ثم يقومون بسرقتها وبيعها وتوزيعها وفق معاييرالمحاصصة والزبائنية والمحسوبيات.
ثالثاً- شردوا شباب لبنان وما يختزنوه من عقول وطاقات وكفاءات، في كل اقصاع الارض، بحثا عن فرص عمل ورزق.
رابعاً- العمل على تشكيل كتلة شعبية ضاغطة، تتوحد حول برنامج موحد، لمتابعة معركة التغيير.
خامساً- نستلهم ايضا من دروس "جمول"، في ذكرى انطلاقتها، العزم والاصرار وارادة الانتصار. ان معركتنا من اجل التغيير، هي معركة قاسية ومصيرية، فاما ان يسجل التاريخ الحديث، وقفتنا ووثبتنا مع انتفاضة شعبنا وننتصر، واما ان نصبح نحن خارج التاريخ، وينتهي الوطن.
وكما وجدت "جمول" لتنتصر وانتصرت بالتحرير، نستطيع ان ننتصر بمعركة التغيير، هو أمر صعب، ولكنه ليس بمستحيل.