فكرة الانتماء لحزب عمره مئة عام تثير الرهبة والمسؤولية والعزة في نفوسنا، خاصة عند الكتابة بمناسبة مئويته. فمئة عامً من تاريخ الحزب الشيوعي اللبناني، من العمل النضالي والسياسي، تمثل رحلة مليئة بالانتصارات والانكسارات، مغمسة بالآمال والخيبات. لكن هذه اللحظة كانت مختلفة. إنها ليست فقط كتابة عن الحزب، بل هي استرجاع لعلاقة شكلت جزءًا من حياة أجيال متعاقبة. لقد عاش الشيوعي اللبناني ليس فقط كمناضل، بل كإنسان يحمل أحلام وطنية وقيم إنسانية عميقة. تلك العلاقة التي تتجاوز الكلمات، تمثل هويتنا، وأحلامنا، والتزامنا المستمر بالمقاومة والتغيير.
في هذه اللحظة فإنّ متنَ كل قول والمبتدأ هو التأكيد على الأولوية الحاسمة للتصدي للغزو الاسرائيلي والاضطرابات الطائفية ودعم الجهود الشعبيّة لاحتضان النازحين وللوقف الفوريّ للحرب بما يصون السيادة الكاملة للبنان على كامل أراضيه.
مئة عام نضال وثورة، وشهادة لا تختصرها كلمات لحزب ينهل من معين المبادئ الشيوعية التي لا زالت، ورغم كل ما حصل خلال العقود الماضية، موجها لملايين البشر حول العالم، حزب جذوره ضاربة في أعماق أرض ما انبتت الا أحرارا مدافعين عن الحرية والعدالة. الحزب الشيوعي اللبناني احد قلة من الأحزاب العربية التي نجحت بإتقان في المزاوجة ما بين النضال المحلى من اجل الطبقات الفقيرة والكادحة وضد النظام الطائفي الذي لا مكان فيه لعدالة اجتماعية وديمقراطية وتنمية، وبين النضال الاممي ضد سياسات العولمة والنهب الامبريالي، التي تؤكد التطورات على امتداد العالم حقيقتها، ناهيك عن دوره المشهود في تأسيس جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية وحمل راية التصدي للاجتياح الإسرائيلي للبنان ودعوته لحمل هذه الراية على مساحة الوطن العربي..
لم تكن الذكرى المئوية لتأسيس حزب الشعب اللبناني – الحزب الشيوعي، مناسبة عادية وخبراً ينتهي بعد حدوثه. والإهتمام في ذكرى تأسيس هذا الحزب ودوره لا يقتصر على الشيوعيين فقط، فهو في فكره وأهداف نضاله على ارتباط عضوي وثيق بشعبنا ووطننا، وبكل الطامحين الى التقدم والتغيير. وهو لا يشيخ ولا يعجز. إنه متجدّد بفكره وشبابه. وقد ولد من صميم واقع شعبنا، من عماله وشبابه ومثقفيه الثوريين. ويبقى ما دام الشعب باق.
تحلّ الذكرى المئوية لتأسيس الحزب الشيوعي اللبناني في ظل ما يتعرض له لبنان وشعبه ومقاومته من عدوان صهيوني غاشم مدعوم من الغرب الإمبريالي، ما يجعل من هذه الذكرى بالضرورة ليس مجرد مناسبة لتحية الشيوعيين اللبنانيين احتفالاً بمرور قرن على انطلاقتهم فحسب، وإنما الأهم هو ما تشكله هذه الذكرى من مناسبة لتأكيد التضامن الكفاحي مع لبنان وشعبه ومقاومته وضمنها الحزب الشيوعي اللبناني في مواجهة العدوان ودعماً للصمود الشعبي، ومن أجل لبنان حرّ عربي مقاوم للعدو الصهيوني وصولاً إلى تحقيق ما ناضل من أجله الشيوعيون اللبنانيون طوال تاريخهم من أجل إقامة دولة وطنية ديمقراطية علمانية لبنانية عادلة اجتماعياً.
إن كانت المئوية مناسبةً للاحتفال بكلّ ذلك التاريخ النابض، بشهدائه وجرحاه ومناضليه وأسراه ومعتقليه، وبمفكريه وعماله ومزارعيه ومقاتليه، فإنّها أيضاً مناسبة للقلق والتفكّر واستشراف المستقبل في ظلّ كل المتغيرات الدولية والإقليمية والمحلية والداخلية الحزبيّة. هي مناسبةّ لبدء الخطوات الأولى في التخطيط لخوض غمار طريق النضال الذي سيكون أكثر شوكاً ووعراً وعسراً.