الصراع الاميركي الكندي

يعكس دونالد ترامب نية ال"عم سام" الحقيقية بشأن الاستعمار والتوسع، لم تكتف اميركا بإجرامها التاريخي بل مازالت تصر على تلويث يديها، وليس بالضرورة بمجازر حرب كما تفعل حليفتها "اسرائيل"، بل أيضا بمجازر انسانية واقتصادية، فتاريخيا، لم تكن أميركا خير حليف حتى لجيرانها الذين قاوموا غطرستها ولكنهم أجبروا على مجاورتها بسبب موقعهم الجغرافي.

لمحة تاريخية عن العلاقات الاميركية الكندية
المعركة التاريخية المهمة التي قادتها أميركا ضد كندا انتهت بهزيمة ساحقة للجيش الأميركي بعدما تراجع عن الغزو واضطر التخلي عن مونتريال. وفي عام 1787 صوّت الكونغرس لصالح غزو كندا مجدداً، ولكنه عدل عن قراره بعد تحذيرات عديدة من ساسة وقادة عسكريين.
إن الخطوة الأولى التي قامت بها الولايات المتحدة عندما أعلنت الحرب ضد بريطانيا في 1812 بسبب دعمها القبائل المحلية على ضفاف البحيرات العظمى هي غزو كندا، لكن سرعان ما فشلت تلك العملية.
وانتهت الحرب في عام 1814 بتوقيع اتفاقية سلام معروفة بـ"معاهدة غنت" نسبة إلى المدينة البلجيكية التي احتضنت المعاهدة، وقد اعترفت الاتفاقية بالمكاسب الإقليمية التي حققتها الولايات المتحدة في الشمال، ومنحتها منفذا إلى المحيط الهادي.
معاهدة الحد من التسلح في البحيرات الأميركية الموقعة بين الولايات المتحدة وبريطانيا في 1817 والمعروفة أيضا باسم "اتفاقية راش-باغوت" تشكل واحدا من أول المراسيم القانونية المتعلقة بنزع السلاح على الحدود بين أميركا وكندا، إذ نصت على تخفيض عدد قوات الطرفين في جميع البحيرات إلى 4 وحدات. ومازالت هذه الاتفاقية سارية المفعول حتى يومنا هذا.
هل تغزو الولايات المتحدة الاميركية كندا عسكريا؟
أكّد رئيس الوزراء الكندي السابق، جاستن ترودو، إلى أن ترامب كان يتبع استراتيجية تهدف إلى انهيار الاقتصاد الكندي، تمهيدا لضمها إلى أميركا. كما أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب وصف الحدود الكندية الأميركية بأنها خط مرسوم بشكل مصطنع. واكبر دليل على نية ترامب هي تحريضه لحرب تجارية ضد كندا.
على الرغم من كل هذه الظروف، إلى أن الغزو الاميركي العسكري ل كندا هو أمر مستبعد للغاية، ولكن الحرب التجارية الحالية هي حرب مقلقة لا يستطيع أحد بالتنبؤ بنتائجها. وفي حال قررت أميركا غزو كندا فإن الأخيرة ستفتح حرب إقليمية وتقاوم إمبريالية أميركا من خلال استخدام مقاومة عسكرية لامركزية وتكتيكات حرب غير نظامية.
وبعض من نقاط قوة كندا هي تضاريسها الوعرة وطبيعتها التي تساعد جيشها لنصب الكمائن وتعطيل خطوط الإمداد وغيرها. كما يوجد ٨٠٠ ألف نسمة من الكنديين المقيمين في أميركا، مما سيزيد الشغب في أميركا بسببهم، لإعتبارهم قنبلة موقوتة تفجر في حالة الغزو.
وفي غضونِ ذلك، ستكون نتائج هكذا حرب دموية على أوروبا، فسيقع حلف الناتو في أزمة وستتحطم العلاقات الأميركية مع القوى الغربية الأخرى، كما سيكون لذلك تداعيات على الصين وعلاقاتها مع "حلفاء" الولايات المتحدة الاوروبيين.
التحديات الاقتصادية الكبرى التي تواجهها كندا حاليا
في ظل التطورات الراهنة التي تحدث في اميركا الشمالية، تعاني كندا من تباطؤ في نموها الاقتصادي. فقد شهد الاقتصاد الأمريكي نموًا بمعدل سنوي يبلغ 2.8% خلال العامين الماضيين، بينما لم يتجاوز معدل النمو في كندا 1.2% خلال الفترة ذاتها.
منذ تفاقم التضخم العالمي، عمدت البنوك المركزية إلى رفع أسعار الفائدة بشكل حاد، في محاولة لكبح ارتفاع الأسعار، لكن في كندا، أدى هذا الإجراء إلى ضغوط مالية إضافية، لا سيما أن القروض العقارية تم تعديلها وإعادة تسعيرها في غضون ثلاث سنوات فقط، ما زاد من الأعباء على الكنديين.
وعلى عكس الولايات المتحدة، التي تباطأ فيها الاحتياطي الفيدرالي في خفض أسعار الفائدة، بدأ بنك كندا بخفض الفائدة بوتيرة أسرع منذ شهر حزيران، حيث خفضها بنقطتين مئويتين، وهي نسبة أعلى بمقدار نقطة كاملة من التخفيضات التراكمية التي أجراها الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، والتي تم تعليقها حاليًا.
كما ادى فرض ترامب تعريفات جمركية على الصلب والألومنيوم إلى انخفاض صادرات كندا من الألومنيوم بنسبة 20 %، وتراجع صادراتها من الصلب بنسبة 40%، مما سيضر قطاع التصنيع ويؤثر سلبًا على سوق العمل. وهذا التعسف الاميركي لم يبدأ هذه السنة، بل المرة الاولى التي فرضت فيها هذه الضرائب كان في العام 2018.
المهاجرين حجة الولايات المتحدة الاميركية
لطالما كانت الحدود بين اميركا وكندا غير محروسة ما أدى الى تفاقم الهجرة الغير الشرعية بين البلدين، ومنذ العهد الاول لترامب كانت هذه القضية تقع على عاتقه. ولقد تحجج ترامب بالمهاجرين لفرض تعريفات جمركية على الصادرات الكندية.
ومع ذلك، لم تنفع اجراءات كندا التي فرضت اجراءات حماية عسكرية مشددة على الحدود، من طائرات ومسيرات وجيش، في محاولة منها لسحب ذرائع ترامب.
مع العلم أن كندا والولايات المتحدة تقومان بشكل منتظم بإعادة طالبي اللجوء الذين يعبرون إلى أراضي كل منهما، بناءً على فرضية أن كلا البلدين آمنين بشكل متساوٍ بالنسبة لطالبي اللجوء لتقديم طلباتهم، وأنه يجب عليهم القيام بذلك في أول بلد يصلون إليه. تُعرف هذه السياسة باتفاقية البلد الثالث الآمن.
بموجب هذه الاتفاقية، فإن الذين لا يحملون الجنسية الأميركية أو الذين هم بلا وثائق يواجهون خطر إعادتهم إلى الولايات المتحدة إذا حاولوا تقديم طلب لجوء عبر نقطة عبور حدودية رسمية.
خاتمة
تعكس العلاقات الأميركية الكندية تاريخًا طويلًا من التوترات والتحديات، سواء على الصعيد العسكري، الاقتصادي، أو السياسي. وبينما تبقى فكرة الغزو العسكري الأميركي لكندا غير مرجحة، فإن الحروب التجارية والتلاعب الاقتصادي لا تزال تشكل تهديدًا حقيقيًا لاستقلال كندا واستقرارها. بالإضافة إلى ذلك، تستمر القضايا المرتبطة بالهجرة والحدود في تعقيد العلاقات بين البلدين. ومع تصاعد المصالح الاستراتيجية والتنافس العالمي، تبقى كندا أمام تحديات مستمرة في الحفاظ على سيادتها الاقتصادية والسياسية في مواجهة نفوذ الولايات المتحدة.

 

 

  • العدد رقم: 428
`


ميرا عيسى