لا حلَّ إلّا بالثورة

فيما يستفاد من التحليلات التي يخرج بها الخبراء الإقتصاديون الوازنون، ومؤدّاها أن أزمة النظام الرأسمالي اللبناني (وهو نظام كومبرادوري أقامه الإستعمار على أساس تحالفات بين زعماء إقطاعيين وطائفيين وبات مرتكزاً على الريع والمضاربات المالية والعقارية منذ سيطرة النهج الحريري الذي دمّر القطاعات المنتجة وأهمها الزراعة والصناعة) أصبحت أزمة مستعصية على الحل بشتى أنواع الوصفات والتدابير الإصلاحية، وأن الحل الوحيد هو إقتلاع هذا النظام من جذوره وبناء دولة قائمة على إقتصاد موجّه تكفل العدالة الإجتماعية في ظل مواطنية حقيقية على أنقاض دولة القطعان الطائفية المستعبدة من زعمائها، ما زلنا نرى، يميناً في الغالب وحتى "يساراً" أحياناً، عزفاً ناشزا لمقطوعات ذات طابع إصلاحي سافر أو مقنّع تستجدي الدواء من أصل الداء.


ولئن كانت معزوفات اليمين السافرة مفضوحة المقاصد من حيث أنها لم تتطرّق يوماً إلى أصل الداء، أي النظام الرأسمالي الذي تنتمي إليه وتعتبره "دستور لبنان" الذي كرّس إلى درجة التقديس والتماهي مع هوية لبنان نظام السوق "الحر" القائم في واقع الأمر على إستغلال المنتجين وعلى العبودية لرأس المال، فإن معزوفات البعض من اليسار التي ما تزال تدور في فلك التوجّه الإصلاحي هي في واقع الأمر الأشد خطراً على إمكانية التغيير الثوري. الفكر الإصلاحي هو بإمتياز مقتل الثورة لأنه مسار ينتهي الأمر بمعتنقيه، عاجلاً أو آجلاً، إلى التحالف مع البورجوازية ضدّ الطبقة العاملة ومشروعها الثوري، كما أن تحالف الشيوعيين المرحلي مع دعاة الإصلاح على أساس "الواقعية السياسية أو سياسة الممكن وأهون الشرين" كان يؤدّي دوماً كما علّمتنا تجارب تاريخية عديدة إلى ردة رجعية وإنقضاص شرس على كل "المكتسبات" التي كان "الشيوعيون" الطوباويون يعتقدون أنها حق مكرّس إنتزع بـ "النضال الديمقراطي". وعندما يقع الشيوعيون فريسة الفكر الإصلاحي والنضال "الديمقراطي"، متناسين ضراوة الصراع الطبقي وشراسة الطبقة الحاكمة في دفاعها عن إمتيازاتها، فإنهم يصابون بعلة الإقتصادوية والتفسير الإنهزامي لميزان القوى الطبقي، منتظرين أن يتحوّل ميزان القوى لصالحهم بحيث يصلون إلى السلطة بأقل كلفة وأيسر سبيل. أما الشيوعيون الحقيقيون فإنهم يظلون دائماً متفائلين (الثوري إنسان متفائل – لينين) بأن حركة التاريخ ومنطق الأمور يسيران لصالحهم. فلو أن الحزب البلشفي إنتظر تحوّل ميزان القوى لصالحه لما أقدم على إطلاق شعار "كل السلطة للسوفيات" ولما قامت الثورة البلشفية. ولو أن كاسترو وغيفارا إنتظرا تحوّل ميزان القوى لصالح الثورة لما كانت الثورة الكوبية، والأمر نفسه ينطبق على ثورة الحزب الشيوعي بقيادة ماو تسي تونغ في الصين. المحدد الأساسي في هذا المسار هو أن الثورة ليست كتلة جامدة تصطدم مع كتلة أعظم منها وتقاس بحجمها فقط، فالثورة صيرورة متفجّرة تولّد تحوّلات نوعية مفاجئة وغير متوقعة تطيح التوازن وقياس ميزان القوى الإقتصادوي الميكانيكي. وعندما تدل المؤشرات على أن نظاماً رأسمالياً ما قد دخل مرحلة الإحتضار، فإن واجب الشيوعيين، من منطلق مساهمة ماركس في إكتشاف قوانين الجدلية التاريخية والمادية، يكون في الإيمان بإمكانية التغيير الثوري والعمل بهذا الإتجاه نظرياً وممارسة دون تخاذل مبني على أية حسابات بائسة مهما كانت. ليس أمام الشيوعيين غير خيارين عند مفترق الطرق المؤذن بإمكانية حدوث ثورة إجتماعية، فإما أن يكونوا شيوعيين أو أن يكونوا شيئاً آخر. ومع أن لكلٍّ حقه في أن ينتقي طريقه وأن ينحاز لأحد هذين الخيارين، فليكن أصحاب الخيار الثوري واضحين في إعلان خيارهم والإلتزام به نظرية وممارسة، وليريحنا أصحاب الخيار الآخر من محاولة التلطي بنا طلباً لبطولة أخلاقية لا يستحقونها.
يتبّنى الحزب الشيوعي اللبناني، في ظل قيادته الحالية، الخيار السليم المنسجم مع هويته الماركسية اللينينية ويعمل بجد على تشكيل قيادة شعبية لإنتفاضة الشعب اللبناني، المستمرة برغم صعوبة الوضع الحالي، من أجل تحويلها إلى ثورة حقيقية تطيح النظام القائم بكلّ رموزه السافرة والمقنّعة. وسيتجسّد هذا الخيار عبر إعادة أحياء العمل النقابي المستقل وتحريره من براثن أحزاب السلطة وتشكيل سلطة شعبية واعية على أساس برنامج يحيط بمكمن الأزمة ويقود إلى الحل الوحيد الممكن. لا حلَّ إلا بالثورة.!!

# موسومة تحت :
  • العدد رقم: 377
`


نبيل فؤاد الخشن