الأول من أيار: يوم الرفض لسياسة النهب الرأسمالية

يعيش لبنان وسط فوضى سياسية ناجمة عن تخبَط الحكم في معالجة المشكلات التي يواجهها على مختلف المستويات. تجلَت هذه الفوضى مؤخراً في انهيار قيمة الليرة اللبنانية، وارتفاع الأسعار بشكل جنوني، وفي حجز أموال أصحاب الودائع الصغيرة، وفي ظل عجز السلطة عن الرقابة، كذلك في وعودها الواهية بإجراء الإصلاحات التي تحدّ من الفساد، في الوقت الذي تبدو فيه مؤسسات الحكم والإدارة غارقة في الفساد إلى أبعد الحدود وينخر فيها الإهتراء حدّ العجز.


في ظل هذه الفوضى السياسية، وبعد سنوات من الإنتظار حفلت بكل أنواع التسويف والمماطلة وتخلّلها الكثير من المحطات والوعود، وتشكيل اللجان النيابية والوزارية، وتقاذف المسؤوليات بين أركان السلطة، وفي سياق سياسات إقتصادية إتّبعتها الحكومات المتعاقبة منذ الطائف، والقائمة على تأمين وحماية مصالح رؤوس الأموال وفي ظل تحالف متكامل بين السلطة السياسية والهيئات الإقتصادية، واستسهال فرض الضرائب على الفقراء وذوي الدخل المحدود، وغضّ الطرف عن سرقة المال العام ومصادرة الأملاك البحرية والنهرية، وإتساع مزاريب الهدر والفساد والتوظيف العشوائي والإستجابة لضغوط الهيئات الإقتصادية الشريكة والمتوحّشة والتي لا تقبل المساس ولو بجزء ضئيل من أرباحها، كل ذلك في غياب أجوبة السلطة على المشكلات الإقتصادية والإجتماعية، بل عمّقت هذه السلطة الإختلالات الإجتماعية بفعل سياساتها التي لا تقيم وزناً للشأن الإجتماعي والإقتصادي .
ليس مستغرباً هذا التجاهل من أهل السلطة، رغم كل التحذيرات من الإستمرار في إعتماد سياسة تركّز الثروة والودائع في يد أقلية صغيرة، وتزايد المؤشرات منذ أواخر تسعينيات القرن الماضي، لعدم قابليّة هذا النموذج من الإستمرار ووصولنا إلى ما وصلنا إليه من إنهيار.
إن الكارثة الحاصلة اليوم، والتي تتجلّى بإنهيار الوضع الإقتصادي، وزيادة حدّة التفاوت الإجتماعي، وتدنّي القدرة الشرائية وإرتفاع أعداد الفقراء، وتفاقم الأزمات الإجتماعية، وتحديدا مشكلتي البطالة وإنهيار سعر العملة بالتزامن مع إنتشار فيروس كورونا، وفي ظل تقاذف المسؤوليات والإستهانة والتلاعب بحقوق الناس، كل ذلك عرَى الكثير من إدّعاءات أهل السلطة، وأظهرت هذه الإدّعاءات أنّ كل ما مورس ظهر كأنه " لوح من زجاج تحطّم شقفاً وتبعثر " وأن الشخصية اللبنانية ما بعد الطائف حملت في طيّاتها بذور الإنفجارات الخطيرة على الساحة اللبنانية، وأنّ هذه السياسات الإقتصادية التي اتبعت تكوّمت ككرة الثلج، وإنتهت بهذا الإنهيار الكبير .
لقد كرّست هذه السلطة بأغلبيتها منذ ولادتها ما بعد الطائف، فكراً سياسياً خاصاً بها قائماً على علاقة زبائنية مع المواطن اللبناني، وإستمدّت عناصر قوتها من رهاناتها الخارجية وغلّفت مصالحها بأبعاد طائفية وإختصرت مؤسسات الدولة بالطائفة على قاعدة أن المذهب والطائفة هما الكيان الإجتماعي للمواطن اللبناني على حساب الإنتماء الوطني، فمزّقت الأرض والشعب والمؤسسات، والنقابات تحديداً كخطوة أولى وأساسية على طريق الإنقضاض على مصالح الناس.
عمدت السلطة ما بعد الطائف إلى ضرب الحركة النقابية، وتأسيس إتحادات ونقابات لا تعكس مصالح العمال وتطلّعاتهم، وضربت إستقلالية هذه الحركة التاريخية والتي كانت جزءاً مؤثراً في التاريخ السياسي والإجتماعي في لبنان، وأداة مطلبية نقابية ممثلة للطبقة العاملة ولجمهور عريض من أصحاب الدخل المتدني، إلى حركة تشبه شرذمة نقابية بدأت ملامحها تظهر بشكل فاضح منذ العام 1997 بعد وضع اليد على قيادة الإتحاد العمالي العام، مما ساهم بتقسيم هذه الحركة النقابية وبالتالي تراجع المطالب الشعبية والمعيشية إلى حد كبير.
رغم ذلك شكّلت حركة هيئة التنسيق النقابية في السنوات الأخيرة، مقدمة لإستعادة الدور المطلبي والتي خاضتها تحت عناوين مطلبية أساسها وضع سلسلة رتب ورواتب جديدة للأساتذة والمعلمين في القطاعين العام والخاص ولموظفي الإدارة العامة وسائر الأسلاك الأمنية والعسكرية والمتقاعدين، ساهم ذلك بإستعادة أشكال العمل المطلبي، عبر التحركات والإحتجاجات في كافة الميادين، مما عزّز إعادة الثقة للدور المطلبي والشعبي وإمكانية تحقيقه من خلال الشارع، ذلك ما ساهم في الحراك الشعبي طيلة العام 2015، والذي كشف مرّة أخرى دور قيادة الإتحاد العمالي العام السلطوي في ظل غيابها عن كافة الإحتجاجات الشعبية والمطلبية.
هذه التحركات شكّلت عملية " ضخ الدم " في عروق الحركة الشعبية منذ حراك إسقاط النظام الطائفي العام 2011 ودور هيئة التنسيق النقابية والحراك الشعبي العام 2015 أثمرا إنتفاضة 17 تشرين التي إستعادت بعض القوة التي تستند إلى الشارع، عبر إستنفار أصحاب المصالح الفعلية وعدم التفريط بالرصيد الذي تراكم على إمتداد السنوات الماضية.
في ظل هذا التيار الثوري الشعبي الذي يمتد على مساحة الوطن، والذي يتطلّب تعزيزه في عملية المواجهة مع هذه السلطة، ضرورة إنضاج مشروع سياسي بديل، من أجل نظام سياسي تسوده المساواة والعدالة الإجتماعية، ينال فيه المواطن حقوقه المدنية والسياسية والإجتماعية.

 

  • العدد رقم: 376
`


علي متيرك