صراع انجازات النساء مع كورونا

 

تكثر محاولات الثناء على قدرة النساء على التوفيق بين وظيفتها ومنزلها وعائلتها، خروج النساء إلى سوق العمل، لم يعفها من عملها المنزلي. لا تسألن عن كمية العمل المرمي أو المُلقى على عاتقهن. لا تحاول المرأة العاملة تبرير نفسها، بل تجهد لتقوم بكافة أعمالها بحكم وظيفتها المفترض أنها بيولوجية، إلى جانب مهنتها. لا تجد وقتاً للراحة، ليخرج أصحاب وصاحبات الامتيازات للتحدّث عن أهمية الحَجْر وضرورته، وكيف استطاعوا تطوير ذواتهم خلال هذه الفترة.

أعاد فيروس كورونا نضال النساء التاريخي والعالمي ضدّ عبودية المطبخ، ٢٥ عاماً الى الوراء.  تحدّدت الأدوار الإجتماعية أكثر، وزادت مهام وساعات العمل غير المدفوع الأجر، والذي لا يثمر بأيِّ خبرة عملية يمكن أن تستثمرها النساء في حياتهن المهنية. يعتبر العمل المنزلي غير المدفوع الأجر، من تنظيف وطهي وتدريس ورعاية وغيرها، أنشطة اقتصادية تساهم بتطوير المجتمع، إلّا أنها غير ذات قيمة مادياً. في تقرير لصحيفة نيويرك تايمز، يشير الكاتبان غاس ويزريك وكريستينرز غودسي إلى أنه لو حصلت كلّ امرأةٍ أميركية على الحدّ الأدنى للأجر مقابل العمل غير المدفوع الذي تقوم به ربّة المنزل، لجنت 1.5 تريليون دولار عام 2019، وعلى الصعيد العالمي لجنت النساء 10.9 تريليون دولار.

كانت تمضي النساء، قبل الحجر، 4.1 ساعة كمتوسط يومياً في أعمال غير مدفوعة الأجر، بينما كان يقضي الرجال 1.7 ساعة، وفق أرقام الأمم المتحدة، وهذا الوقت ارتفع خلال الحجر. المشكلة ليست في العمل المنزلي، بل باعتباره مَهمة محصورة بالإناث، وإن كانت جداتنا رضخت لهذا الدور، فقد ناضلت كثيرات لنسف الأدوار الإجتماعية المركّبة، وإعادة تشكيل مفاهيم جديدة للعائلة، بعيداً عن سطوة الزواج البطريركي على النساء والأطفال.

طبيعة النظام الرأسمالي غير مولّد لفرص عمل توازي حجم الطلب، وفي وقت كان الرجال يتزاحمون فيما بينهم على الفرص المتوافرة، دخول النساء إلى سوق العمل رفع من حِدّة المنافسة على نفس نسبة العمل المعروض، مما ولّد عدداً أكبر من العاطلين عن العمل عند الجنسين. بعد إنتشار فيروس كورونا، وذهاب الدول إلى خيار الحجر، لجأت الحكومات إلى التركيز على ما سمّته "المهن الأساسية" أيّ التي تمنع الإقتصاد والمجتمع من الانهيار، وهي المتعلّقة بالطب والتمريض، والتنظيف، مع موجة فقدان وظائف عالمياً، وانعدام الأمن الاقتصادي. ورغم أن النساء تشكلن 70 % من نسبة العاملين في القطاع الصحي عالمياً، إلّا أنهن لسن متساويات مع نظرائهن من الرجال، إذ تبلع الفجوة بين الجنسين 28 % في قطاع الصحة وهي أكبر من فجوة الأجور الإجمالية التي هي بحدود 16 %.

تصاعد الفقر سيؤدّي الي توسيع هذه الفجوة، مما يعني أن عدد النساء اللواتي سيُدفعن نحو الفقر أكثر من الرجال، خاصة في الفئة العمرية بين 25 و34 عاماً، أي في فترة الذروة لتكوينهم الأسري والانتاجي. ومن المتوقّع أنه مقابل 100 رجل فقير، سيكون هناك 121 فقيرة بحدود عام 2030.

تواجه النساء الفقيرات والمهمّشات خطراً أكبر لانتقال فيروس كورونا، وبالتالي إحتمال إرتفاع معدلات الوفيات وفقدان سبل العيش، إلى جانب إرتفاع نسب العنف المنزلي على الصعيد العالمي. بحسب جينيت ازكونا، مؤلفة تقرير هيئة الأمم المتحدة insights to action ، سيدفع الفيروس 96 مليون شخص إلى جائحة الفقر المدقع في عام 2021، منهم 47 مليون امرأة، مما سيجعل عدد النساء اللواتي يعشن بدولار و90 سنتاً أو أقل 495 مليون امرأة.

بحسب دراسة لـ "ماكينزي"، إن وظائف النساء معرّضة للخطر بنسبة 19% أكثر من وظائف الذكور لمجرد أن النساء ممثلات بشكل غير متناسب في القطاعات المتأثرة سلباً بأزمة كورونا، فيما 4.5 % من عمالة النساء معرضة لخطر الوباء على مستوى العالم، مقارنة بـ 3.8 % من عمالة الرجال، ذلك أن النساء لديهن أكثر من المتوسط حصة العمالة في ثلاثة من القطاعات الأربع الأكثر تضرّراً، قياساً بانخفاض العمالة على الصعيد العالمي. بالمقارنة مع الحصة الإجمالية للنساء في العمالة العالمية، التي تشكل 39%، تشكل النساء 54٪ من الوظائف العالمية في مجال الإقامة والخدمات الغذائية، وهي من بين القطاعات الأكثر تضرراً من الأزمة، 43٪ من الوظائف في تجارة التجزئة والجملة، و46 % في الخدمات الأخرى، بما في ذلك الفنون والترفيه والإدارة العامة. تأثرت قطاعات أخرى بشدّة جرّاء الوباء، مثل الصناعات التحويلية، التي يشكل الرجال فيها الغالبية العظمى من العاملين.

منذ بداية الوباء في أوروبا وآسيا الوسطى، فقدت 25% من النساء العاملات لحسابهن الخاص وظائفهن، مقابل 21% عند الرجال، وهو مسار متوقع أن يستمر في الإرتفاع، وبحسب منظمة الصحة العالمية، عمالة النساء معرّضة للخطر بنسبة 19% أكثر من الرجال. في وقت تأثر قطاع الخدمات المنزلية والتنظيفات بالوباء، إذ فقدت 72 % من العاملات وظائفهن في العالم (تشكل النساء 80 % من العاملين في هذا القطاع)، فيما قبل الوباء كان العمل المنزلي بأجر يفتقر إلى الحماية الأساسية مثل الإجازة المدفوعة الأجر، وفترة الإشعار، وتعويض نهاية الخدمة.

تعمل 40 % من النساء، أي ما يعادل 510 مليون امرأة في العالم، في القطاعات الأكثر تضرّراً، مقارنة بـ 36.6 من الرجال العاملين. على الصعيد العالمي، تعمل 58% من النساء في وظائف رسمية، وتشير التقديرات إلى أنه خلال الشهر الأول من الوباء فقد العمال الرسميون 60 % من متوسط دخلهم.

العنف الممنهج والمؤسس يجعل تعليم الفتيات، ووصولهن إلى مراكز مهنية، أصعب من الرجال. ما تواجهه النساء من تحرّش واستغلال، وانعكساته النفسية، تجعلهن أقلَّ اندفاعاً وحماسة تجاه دراستهن وعملهن. تشير التقديرات هيئة الأمم المتحدة للمرأة إلى أن 11 مليون فتاة قد تترك المدرسة بحلول نهاية أزمة كورونا. اتّساع الفجوة بين الجنسين التعليمية له آثار خطيرة على النساء، بما في ذلك انخفاض كبير في قيمة ما يكسبونه وكيفيته، إضافة إلى إرتفاع نسبة الحمل خلال سن المراهقة وزواج الأطفال. غياب الموارد الاقتصادية يجبر النساء على الخضوع لظروف معيشية غير آمنة، من عنفٍ منزلي واستغلال جنسي وإتجار. 

وفق تقديرات الاونيسكو، هناك 132 مليون فتاة خارج المدرسة، بما في ذلك 34.3 مليون في سن المدرسة الابتدائية، و30 مليون في سن المدرسة الاعدادية، و67.4 مليون في سن المدرسة الثانوية، ذلك لأسباب عديدة مرتبطة بالفقر، وبالدور الاجتماعي المفروض على الإناث، أي الزواج والانجاب، إذ إن زواج القاصرات يُعَد من أبرز أسباب التسرّب المدرسي للفتيات. 

الأزمات الكبرى العالمية، الاقتصادية والصحية والطبيعية، تلقي بثقلها على الفئات الأضعف، من النساء والمهاجرين والأطفال وحتى الطبيعة، وكلّ خطابات المطالبة الحكومات أن تقف أمام مسؤولياتها لن تغيّر بواقع، ثَبُتَ تاريخياً، أن أصحاب الحقّ ينتزعون ما سُلب منهم بالقوّة والقانون.