في الوقت الذي أُعلِنَ فيه عن سيطرة الجيش السوداني على أم درمان في العاصمة السودانية، وطرد قوات الدعم السريع منها، وزيارة قائد المجلس العسكري الانتقالي، عبد الفتاح البرهان، لها لتكريس هذه السيطرة، تستمر معاناة الشعب السوداني بسبب هذه الحرب التي ليست حربه. وإذ لا يمكن تصنيف هذه السيطرة، سوى أنها جولة أخرى من جولات الحرب العبثية في هذه البلاد، من غير المتوقع أن يكون لهذا الإنجاز من تأثير فارق في حرب أكملت شهرها العاشر من دون أن يُسجَّل فيها غلبة لأحد طرفيها على الآخر. بل على العكس، يدعو هذا الإنجاز إلى الخشية من أن يتخذ البرهان من (النصر)، دافعاً لزيادة وتيرة الحرب التي اندلعت، في 15 أبريل/ نيسان 2023، طمعاً في تحقيق إنجازات مقبلة شبيهة به، متناسياً أن ثمن ذلك سيكون آلاماً وخراباً يلحقان بالسودان وشعبه.
يضع البعض للصراع في السودان عنواناً يتلخص في أن بقاء الدولة مرهون بدعم البرهان، أما انتصار حميدتي أو الوصول لتسوية تسمح لميليشيا الدعم السريع بالبقاء ككيان مستقل يعني الانتقاص من سيادة الدولة السودانية أو فشلها.
قد يكون اللقاء الذي تمّ في أوغندا، بين رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان، ورئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو، قد فاجأ البعض بتوقيته، أو في عقده، وبشكلٍ سري. إلّا أنّ المراقبين يجمعون على أنّه جرى في سياق الأحداث والتطوّرات والإرهاصات الأوّلية لـ"صفقة القرن" الأميركية، وفي إطارالتموضع والتطبيع، بين بلدان عربية عموماً، ودول الخليج على وجه الخصوص، والكيان الصهيوني. لا سيّما وأنّه اللقاء الأوّل بين مسؤول سوداني، منذ استقلال السودان عام 1956، ورئيس وزراء الكيان الغاصب.
سلوك باسيل يؤدي إلى "باسيلوشوتية" وليس "باسيلوفوبيا"
بدأت قبل بضعة أيام الماكينة الإعلامية لوزير الخارجية جبران باسيل بالترويج لتعبيرٍ سياسي جديد في لبنان هو "باسيلوفوبيا"، وقد ورد هذا التعبير فقط على لسان بعض نواب كتلة "التيار الوطني الحر" دون غيرهم. وهو يعني باللغة العربية "الرهبة أو الخوف من باسيل".
في خضم ما تشهده المنطقة من إرهاصات مدمّرة للمشروع الأميريكي الصهيوني الهادف إلى تفتيتها وإعادة هيكلتها اعتماداً على أنظمة شمولية قمعية وبدائل موغلة في رجعيتها ونزعتها الإرهابية، يتفرد المشهدان السوداني والجزائري بالحضور المؤثر للقوى الديمقراطية في الحراك الشعبي المتنامي في مواجهة مساعي نظامي البلدين في إعادة إنتاج نفسيهما.
المعضلة التي تواجه التغيير في المنطقة منذ 2011، هي المراوحة بين حدّين: الجزمة العسكرية أي الجيش أو اللحية أي الإسلام السياسي، ممثلاً بجماعة "الإخوان المسلمين" أو الإسلام الجهادي. وإذا كان دور العسكر حاسماً في انتقال بلد أوروبي مثل البرتغال نحو الديمقراطية، فإن في عالمنا العربي أدى وجود الجيش في قلب اللعبة السياسية إلى نتائج مغايرة لما يريده الديموقراطيون، فقد أجبر ما يُسمّى بالربيع العربي، وما بعده، الكثير من المؤسّسات العسكرية على إظهار نفسها بشكلٍ واضحٍ كطرفٍ سياسي مُتحكّم إلى حد كبير في مجريات الواقع السياسي وتحوّلاته. وشكّل انقلاب وزير الدفاع المصري الفريق أول عبد الفتاح السياسي على حكم الرئيس الإخواني محمد مرسي، وعودة العسكر إلى الحكم في أكبر دولة عربية، منعطفاً ومؤشّراً إلى استحالة اقتلاع الدور السياسي الفاعل للجيش في الحياة السياسية.