الموقف الإثيوبي المتعنت في مفاوضات سد النهضة يمثل عدواناً صريحاً وخطرا وجوديا على دولتي المصب: مصر والسودان

يناشد الحزب الشيوعي المصري كل الأحزاب والمنظمات والقوى السياسية والفعاليات الشعبية العربية والأفريقية والدولية التضامن مع شعبي مصر والسودان في مطالبهما العادلة للحصول على حقوقهما المائية وتأمين بلديهما ضد المخاطر الاستراتيجية والوجودية الناجمة عن تعنت إثيوبيا ومماطلاتها لأكثر من عشر سنوات، وضربها عرض الحائط بكل الاتفاقيات المبرمة والمواثيق الدولية. حيث يدل إصرار إثيوبيا على الملء الثاني لسد النهضة المقام على النيل الأزرق بدون اتفاق ملزم يحدد طريقة استكمال ملء السد وتشغيله وإدارته بشكل يحفظ الحقوق المائية لدولتي مصر والسودان باعتبارهما دولتي المصب لهذا النهر، وكذلك المواقف والتصريحات المتعنتة والعدوانية التي ترد على لسان متحدثين ومسئولين إثيوبيين، على النية المبيتة للإضرار بمصالح وحقوق هذين الشعبين على نحو قد يهدد بمخاطر ماحقة لهما.

فمصر البالغ تعداد سكانها حوالي 105 مليون نسمة تعتمد بنسبة 95٪ من احتياجاتها المائية على مياه نهر النيل، والنسبة الأكبر منه (80٪) ترد من إثيوبيا عبر نهر النيل الأزرق. وهذه النسبة، بحد ذاتها، إلى جانب الموارد المائية الأخرى، لا تضمن وفرة مائية في مصر، حيث لا يبلغ نصيب الفرد الا حوالي 550 متر مكعب سنويا. وهو معدل يضع المصريين تحت خط الفقر المائي، فما بالك عندما يتهدد هذا المصدر الأكبر للمياه؟ حيث تشير الدراسات المتخصصة إلى أن استكمال ملء السد بشكل سريع وبدون مراعاة حجم الفيضان سيؤدى إلى بوار مئات الآلاف من الأفدنة المزروعة، وضياع أكثر من 15 مليون فرصة عمل. فضلا عن المخاطر الناجمة عن توقف توليد الكهرباء من السد العالي، وزيادة ملوحة الأرض في شمال الدلتا، وازدياد تآكل الشواطئ المصرية على البحر المتوسط، نتيجة لتراجع معدلات ترسيب الطمي. بالإضافة إلى توقف سدود السودان عن توليد الكهرباء.

وفوق كل ذلك فإن عدم توقيع اتفاقية ملزمة لاستكمال ملء بحيرة السد ثم المشاركة في إدارته وتشغيله من دولتي المصب سيتسبب في مشاكل سياسية كبرة لمصر والسودان ويضعهما تحت رحمة متخذ القرار الإثيوبي، الذى يمكنه أن يقوم بإغراق البلدين إذا جرى تصريف المياه من السد بطريقة غير متفق عليها، كما يمكنه تعطيشهما إذا تم حجب المياه عنهما بدون اتفاقات مسبقة.

إن إثيوبيا تعد من دول الوفرة المائية حيث يتوفر لديها سنويا أكثر من 900 مليار متر مكعب، ولا يقل نصيب الفرد لديها عن 8000 متر مكعب سنويا. كما أن المساحة المنزرعة لديها لا تتجاوز 3,5 مليون فدان. وهو ما يعنى أن إثيوبيا لديها فائض هائل وليست بحاجة إلى أي كميات اضافية من المياه. كما أن حاجتها إلى توليد الكهرباء لا تبرر انشاء السد، لأن إثيوبيا تمتلك أكثر من 12 نهرا آخرين غير النيل الأزرق. وقد عرضت عليها مصر تزويدها بالكهرباء بأسعار تفضيلية ولم تقبل. والأهم من كل ذلك أن مصر لم تعارض بناء السد ولا توليد الكهرباء منه ولا تحقيق التنمية في إثيوبيا أو أي بلد من بلدان القارة الأفريقية، بل إنها تساند كل ذلك بمنتهى القوة، وتاريخ وحاضر علاقات مصر ببلدان القارة يشهد على ذلك. وانما كل ما تطالب به هو ابرام اتفاقات ملزمة تضمن تشغيل وإدارة السد بما لا يضر بالمصالح المائية ولا يشكل خطرا على كل من مصر والسودان.

إن رفض إثيوبيا لإبرام هذه الاتفاقات، مع كل المعطيات السابقة، انما يعنى أن إثيوبيا لا تبغي التنمية ولا توليد الكهرباء كما تدعى. وانما تريد تحقيق نوع من الهيمنة والابتزاز لكل من مصر والسودان، بما يشكل عدواناً صريحاً يهدد استقرار أوضاعهما الاقتصادية واستقلالية قرارهما السياسي، بل وجودهما ذاته.

وتشير الشواهد إلى أن إثيوبيا بهذه الممارسات الاستفزازية الكبرى إنما تخدم مصالح الكيان الصهيوني وبعض الأطراف الإقليمية والدولية التي تقف وراء إثيوبيا وتدعم خطواتها العدوانية، وتجعل مواقفها على هذا القدر من التصلب والتعنت. ضاربة بعرض الحائط بالقانون الدولي والاتفاقيات المبرمة بين البلدين: سواء كانت تلك التي تم توقيعها عام 1902 أو التي تم توقيعها عام 1959، وهما الاتفاقيتان اللتان تحددان حصتي دولتي المصب. وتدعى إثيوبيا أن هاتين الاتفاقيتين قد وقعتا في عهود الاستعمار، وهو الأمر الذي تكذبه حقائق التاريخ، فإثيوبيا في هذين التاريخين لم تكن واقعة مطلقا تحت أي نوع من الاستعمار، وانما كانت دولة مستقلة. كما أنها تتجاهل القوانين الدولية المتعلقة بالأنهار في الدول المتشاطئة، ولذلك فهي ترفض كل المقترحات المقدمة من مصر السودان والوساطات الدولية والإقليمية، كما ترفض سعي مصر نحو عرض القضية على مجلس الأمن.

إن الحزب الشيوعي المصري إذ يشعر بحجم المخاطر الوجودية الهائلة التي تهدد كلاً من مصر والسودان فإنه يطالب الدول العربية والمجتمع الدولي والإقليمي بالضغط على إثيوبيا للانصياع إلى القانون الدولي والوصول إلى اتفاق ملزم خلال هذه الفترة الحرجة قبل الملء الثاني للسد، وأن تتحمل مسئولياتها إزاء التداعيات الخطيرة على استقرار المنطقة، كما يهيب بكل القوى التقدمية والوطنية والديمقراطية المحبة للسلام وللإنسانية بمساندة المواقف العادلة لدولتي المصب.

كما يؤكد الحزب على ضرورة توحيد كل جهود القوى الوطنية والشعبية في مصر في دعم حق الدولة المصرية في استخدام كل مصادر القوة لمنع هذا التهديد في حال إصرار إثيوبيا على موقفها المتعنت الذي يمثل عدواناً صريحا على الأمن القومي المصري استناداً إلى المادة 52 من قانون الأمم المتحدة.

 

2 مايو 2021

المكتب السياسي للحزب الشيوعي المصري