تحديات كبيرة أمام الرئيس الايراني الجديد " إبراهيم رئيسي "

الانتخابات الرئاسية الايرانية إنتهت إلى النتيجة المتوقعة: فوز السيد إبراهيم رئيسي بـ62 %من أصوات المقترعين. الرئيس الايراني الجديد تلقى التهاني السريعة من قادة دول الخليج، فيما قوبل في " إسرائيل" بقلق وحذر، إنطلاقاً من كونه يجسّد روح الثورة الإسلامية وفكرها ونهجها حسب أدبيات ثورة الخميني. ترى فيه جهات متعدّدة أنه شخصية متشدّدة في أكثر من إتجاه، وتحديداً في كلّ ما يتصل بالكيان الإسرائيلي والولايات المتحدة. ومما يفاقم من مخاطر انتخاب ابراهيم رئيسي بالنسبة إلى " إسرائيل “، أنها تأتي في التوقيت الأكثر دراماتيكية بالنسبة لها، نتيجة أزمة الانتخابات خلال أربع دورات وولادة حكومة متعثّرة بعد مخاض عصيب، وبالتوازي مع المفاوضات النووية في فيينا. على هذه الخلفية، رأى رئيس الحكومة الاسرائيلية نفتالي بينت، في مستهل أول جلسة لحكومته، أن فوز رئيسي بالانتخابات يُعَدُّ إشارة أخيرة إلى الدول العظمى كي تستيقظ، قبل العودة إلى الاتفاق النووي، وكي يدرك هؤلاء مع من يعقدون الصفقات.

مسيرة أدبيات المرشد

خسر رئيسي الانتخابات الرئاسية السابقة في مواجهة الإصلاحي حسن روحاني. لكن بعد عام تولّى رئاسة مؤسسة "آستان قدس رضوي" أكبر مؤسسة وقفية خاصة للمرشد الايراني. ثم عاد رئيسي مجدّداً إلى الواجهة السياسة، عندما أصدر خامنئي مرسوماً بتعيينه في رئاسة القضاء. وخلال الإنتخابات الأخيرة راهن المحافظون على شعارات ترتبط بتدهور الوضع الاقتصادي، وسوء المعيشة، والعجز الإداري، وفي المقابل، سعى حلف الرئيس حسن روحاني المعتدل إلى التحذير من تفاقم العزلة الدولية لايران. بينما السيد رئيسي راهن في حملته على أن صاحب القرار الأخير في الاتفاق النووي، والسياسة الخارجية، هو المرشد الايراني، ومن هنا أعرب رئيسي عن إلتزامه بالمواثيق والاتفاقيات الدولية، وقال إن "تنفيذ الاتفاق النووي يتطلب حكومة قوية". ويرى المحلّلون في تأكيد رئيسي على الالتزام بمواقف المرشد الحالي، وتكرار أقواله ومفرداته حرفياً، على أنه "تدريب على أدبيات المرشد".  وهو المرشح الأوفر حظّاً لخلافته. خاصة وأن رئيسي يتمتع بدعم خاص من المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية، آية الله علي خامنئي، والمؤسسات التابعة له، لا سيما الحرس الثوري. يقال أيضاً إن خوضه الانتخابات الرئاسية جاء بهدف تثقيل رصيده السياسي ليصبح الشحصية السياسية الأقوى في إيران. ويُعَد دعم خامنئي والحرس الثوري لرئيسي، مهما لناحيتين: الأولى، أنه يمكن أن يُسهم في خفض الاحتكاك بين الحكومة والمؤسسات الخاضعة لإشراف المرشد الأعلى. والثانية أنه يُسهم في زيادة الدعم لاجراءات الحكومة، وإشراك طاقات وإمكانات المؤسسات المختلفة لرفدها.

على الرغم من أن الرئيس الايراني المنتخب إبراهيم رئيسي سلك طريقاً سهلة للفوز في الانتخابات الرئاسية، بسبب غياب منافس قوي له، إلّا أن ذلك لا يعني أنه لن يسلك طريقاً محفوفة بالصعاب والتعقيدات خلال ولايته الرئاسية، والتي سيواجه فيها على مدى السنوات الأربع المقبلة، تحديات عديدة أساسية منها:

1-أول وأهم هذه التحديات يتمثل في وجود تململ مجتمعي من أداء مؤسسات الحكم، ولا سيما في المجال الاقتصادي، من هنا تراجع نسبة المشاركة، وهي الأدنى منذ انتصار الثورة.  

2-التحدّي الثاني الذي سيواجهه رئيسي يتمثل في الوضع الاقتصادي المعقّد، ولا سيما أن الاقتصاد الايراني يمرّ، منذ سنوات، بـ “ركود تضخمي"، إذ إن معدل النمو خلال العقد الأخير، بلغ صفراً تقريباً.

3-التحدّي الثالث هو السياسة الخارجية، وبالتحديد مستقبل "خطة العمل المشترك الشاملة" (الاتفاق النووي)، والعلاقات بين إيران وأميركا. الجدير ذكره أن فوز رئيسي في الانتخابات، أتى تزامناً مع المحادثات لإعادة إحياء الاتفاق النووي في فيينا، وليس من الواضح بعد إذا ما كانت أميركا جاهزة لرفع كامل العقوبات عن إيران فعلاً، أم أنها تريد، من خلال البقاء على جزء منها، ممارسة الضغط عليها للحصول على تنازلات منها في مواضيع أخرى، من بينها سياساتها في المنطقة وبرنامجها الصاروخي.

على طريق الاتفاق النووي

  من جهة أخرى توقعت أوساط دولية تقدّم في المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة عبر الوسيط الاوروبي وقد بدأ العد العكسي لـ "إتفاق فيينا" رغم انتخاب الرئيس إبراهيم رئيسي، وجرى تقليص الخلافات المتعلقة بالعقوبات وبوشر إعداد المسودة النهائية التي صارت جاهزة تقريبا، وتنتظر اتخاذ القرارات. والتقديرات أن التوصل الى إتفاق ممكن في منتصف تموز، إلّا إذا حدث أمر استثنائي. وكانت مصادر دبلوماسية عبّرت عن قلقها من إمكانية أن يزيد انتخاب رئيسي المفاوضات تعقيداً، بسبب خضوعه للعقوبات الاميركية في قضايا تتعلق بحقوق الانسان. وبات واضحاً أن المفاوضات تركّز على إعادة الاتفاق النووي كما هو من دون أي زيادة. ولكن مستشار الأمن القومي الاميركي جايك سوليفان قال في مقابلة مع شبكة "آي بي سي" الاميركية: "أعتقد أن ما يتعيّن علينا القيام به في الولايات المتحدة هو أن نبقي أعيننا على الهدف"، موضحاً أن "أولويتنا القصوى الآن هي منع إيران من الحصول على سلاح نووي". ورأى أن الدبلوماسية هي أفضل طريقة لتحقيق ذلك، وليس النزاع العسكري.

بخلاف الاستنتاجات المتسرّعة، فإن وصول رئيس متشدّد الى الرئاسة الايرانية سيشكل ممراً آمنا إلى الإتفاق مع الأميركيين حول الملف النووي. فالتحدي الذي يرمز إليه إيصال رئيس إسمه مدرج على لائحة العقوبات الاميركية، قد يساعد على تمرير الاتفاق لا ضربه. ذلك أن صاحب القرار في إيران يبقى دائماً مرشد الثورة السيد علي خامنئي، الذي يريد الانتقال ببلاده من الضائقة الاقتصادية الخانقة، والتي تفاقمت أخيراُ، إلى رحاب فتح الأسواق وإنعاش أسواق البازار. وبالتالي، فإن وصول رئيسي يمكن ترجمته بأنه ولوج إلى الاتفاق، ولكن من موقع التحدي. وفي المقابل تستعد الإدارة الاميركية لرفع معظم العقوبات.

أما الحكومة الاسرائيلية الجديدة، فهي مؤشر إضافي إلى أن الأجواء باتت أكثر نضجاً لإعلان العودة إلى الاتفاق النووي. صحيح أن نفتالي بنيت ورفاقه هم من المتطرفين، لكن مشاكل الحكومة الاسرائيلية الجديدة كبيرة ودقيقة، وهي لا تسمح بترف الشغب على إدارة بايدن. بنيامين نتنياهو كان قادراً على ذلك، ولو تحت سقف معين. فحكومته كانت متجانسة، فإن الإعلان عن الإتفاق مع إيران وتبايناتها معقولة. وبرحيل حكومته تراجع القلق حيال خطوات إسرائيلية متهّورة. إذا أصبح على الأبواب ويبقى إختيار التوقيت الملائم بدليل:

1-ما أن أنهى الرئيس الاميركي لقاءاته في أوروبا حتى أعلنت واشنطن سحب معظم أنظمتها الدفاعية الجوية من بلدان عدة في الشرق الأوسط، وهي العراق والكويت والأردن والسعودية، وتقليص أسراب الطائرات الحربية. وقد تزامنت هذه الخطوة مع انتخاب الرئيس الايراني الجديد، وهو ما يعني تضاؤل خطر الأعمال العسكرية. وإذا ما نظرنا إلى البلدان المعنيّة، فإنها جميعاً تقع في المجال العسكري والصاروخي لايران. والاستنتاج المنطقي بأن شيئاً ما جرى التفاهم عليه بشكل حاسم في كواليس المفاوضات، جعل واشنطن تعتقد أن أنظمتها الدفاعية أصبحت بلا فائدة.

2-فور إعلان فوز إبراهيم رئيسي، جرت الدعوة لاجتماع لمساعدي وزراء خارجية الدول الأعضاء في المفاوضات، تمهيداً للتحضير للجولة السابعة حيث يتردّد بأنها ستكون النهائية.

3-في “إسرائيل”، أعدَّ ثلاثة مسؤولين أمنيين إسرائيليين سابقين متخصصين في الشؤون النووية، مذكرة وزّعت على رئيس الوزراء نفتالي بنيت، ورئيس الحكومة البديل يائير لبيد، وغيرهما من المسؤولين، يشيرون فيها إلى معلومات موثوقة ومقلقة للغاية حول وضع المفاوضات بين الدول العظمى وإيران. والمفاوضات باتت في مرحلة متقدّمة جداً. وتؤكّد المذكّرة أن الإتفاق النووي الذي تجري بلورته حالياً في المفاوضات بين إيران والدول العظمى سيكون أسوأ من سابقه، الذي جرى توقيعه في عام 2015، وهو يعبّر عن إنهيار سياسة نتنياهو الذي شجّع ترامب في حينها على الإنسحاب من الإتفاق الأصلي.

مرحلة جديدة متجددة

بعد فوز إبراهيم رئيسي في الانتخابات الرئاسية الايرانية، بدأت التكهنات في شأن تركيبة حكومية محتملة تعبّر عن مصير التيارات الداخلية وصيغة وتوجّهات الحكم في العهد الجديد. وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف توجّه إلى مكتب الرئيس المنتخب رئيسي، وأجرى مشاورات بشأن الإتفاق النووي والسياسة الخارجية. وقال المتحدّث باسم الخارجية إن الحوار كان مثمراً، وأضاف: "السيد رئيسي صوت العقلانية في النظام، وجزء مهم من اتخاذ القرارات”. وفي وقت سابق، وصف كبير المفاوضين الايرانيين عباس عراقجي، المحافظ المتشدّد رئيسي بأنه "واقعي عقلاني، وهو صوت عقلاء النظام”.

 مواقف الإصلاحيين والمحافظين المتشدّدين تؤكّد أن السيد رئيسي يتجه إلى توحيد قرار الجمهورية متجاوزاً الخلافات والتيارات السابقة محاولاً تشكيل تيار ثالث ثوري يعيد إحياء مبادىء وتوجّهات الثورة الخمينية من أجل إدخال إيران في مرحلة جديدة تتكيّف مع التطوّرات والتحوّلات الجديدة على المستويات الدولية والإقليمية والداخلية لا سيما الإتفاق النووي ومندرجاته والوضع الاقتصادي في إيران وتحدّياته. هل دخلت إيران في حقبة تجدّد فيها ثورتها أم تواجه تحدّيات جديدة غير مضمونة النتائج ..؟