تحيّة لذكرى انطلاقة "جمول" التي شقّت طريق التحرير

لم يكن يوم 16 أيلول 1982 كباقي الأيام. ففي هذا اليوم جرى إطلاق جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية التي حفرت في تاريخ شعبنا وبلدنا صفحة مجيدة لا تُنسى ولا تُمحى. وقد جسّدت بدورها وأهدافها آمال اللبنانيين وتفاؤلهم بالخلاص من الاحتلال الصهيوني، واعتبار أن الشعب باقٍ والاحتلال إلى زوال، بقوّة المقاومة وبطولاتها. فلم يكن إطلاق "جمول" مجرّد خبر عابر في الحياة السياسية، بل شكّل حدثاً تاريخياً تستمر مفاعيله في نبض شعبنا طالما أن هناك عدواً محتلاً وتهديداً لبلدنا.

فإطلاق جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية عند وصول الغزو الإسرائيلي إلى بيروت في 16 أيلول، وبعد خروج المقاتلين الفلسطينيين في 28 شهر آب 1982، وفي ظل هول مجازر صبرا وشاتيلا، التي أودت بحياة آلاف الفلسطينيين ومئات اللبنانيين العزّل، كان بمثابة الشعلة التي تضيء بنورها طريق التحرير، وتحرق بنارها جيش الاحتلال. وكان حِبرُ بيان إطلاقها بتوقيع جورج حاوي الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني ورفيقه محسن ابراهيم، أمين عام منظمة العمل الشيوعي، مضمّخاً بالدماء الزكية للشهيدين الشيوعيين جورج قصابلي ومحمد مغنية اللذين سقطا أثناء تصدّيهما قي تلك الساعة لآليات وجنود العدو عند دخولهم ساحة الوردية / الحمرا. فهذه المقاومة بدورها وأهدافها التحريرية، قد شكّلت تأكيداً على أن هذا الحزب، ونحن في الذكرى المئوية لتأسيسه، كان على ارتباط عضوي ونضالي ثابت بالقضية الوطنية متخذاً الشكل الملائم الذي تستدعيه الظروف والمهام.
لقد أدّت عمليات هذه الجبهة، وتصاعدها ضد جيش الاحتلال في عاصمتنا، وتزايد الخسائر في جنوده وآلياته، للتوجه إلى أهل بيروت بمكبّر الصوت ومن على ظهر دبابة في كورنيش تلّة الخياط : "يا أهل بيروت لا تطلقوا النار علينا، نحن منسحبون". وقد سمع ذلك سكان البناية التي تقطن فيها عائلتي، وهي قريبة من المكان. فكان ذلك المظهر الأول لكسر هيبة الجيش الصهيوني، والخطوة الاولى في التحرير بدءاً من بيروت. وهذا ما عزّز الثقة بصحة خيار المقاومة في مجابهة الاحتلال والمخطّط الأميركي الصهيوني الرامي إلى ضرب مصالح شعوبنا ومطامحها التحريرية، والإمعان في نهب ثرواتها وتصفية القضية الفلسطينية. مما يستدعي تصاعد النضال التحرّري في المدى العربي ومقاومة هذا العدو، ومناهضة سياسة التطبيع لحكومات عربية خلافاً لإرادة شعوبها ومصالحها.
إنّ لجبهة المقاومة الوطنية، إضافةً لشجاعة مقاوميها، ميزات أساسية تتمثل
أولاً : في طبيعة القوى التي تتشكل منها وبُعدها الكلّي عن الطائفية.
وإنّ أهدافها وبنيتها البشرية الجامعة وطنياً، قد تجلّت في المقاومين والشهداء، وهم من جميع الطوائف والمناطق. وهذا يُسقط من يد المناهضين للمقاومة ذريعة الطابع الطائفي والمذهبي لسلاحها ودورها، والقول أنّ غرضها هو الهيمنة داخلياً على الطوائف الأخرى والإخلال بالتوازن الطائفي الذي تقوم عليه السلطة...
ثانياً: يؤكد انبثاق " جمول" من الواقع اللبناني الشعبي والوطني، لبنانية قرارها وعدم ربطه بقرار دولة خارجية، دون أن تعني استقلاليتها رفضاً للدعم والتضامن الخارجي، وإنما رفض الارتهان لقرار الخارج الذي تتلاقى مصالحه وتتناقض أحياناً، مع مصلحة الوطن وظروفه الخاصة.
ثالثاً: على اعتبار أنّ المقاومين من صلب الطبقات الشعبية والكادحة وليسوا أبناء القصور، فإنّ لمطامحهم وتضحياتهم، بعداً وطنياً وبعداً اجتماعياً موازياً. فكما يضحّون لتحرير الوطن، يطمحون إلى تحرّرهم اجتماعياً للعيش بكرامة. هذا إلى جانب أن مقاومة العدو لا تقتصر على الحدود، فهو متغلغل في الوضع الداخلي من خلال الطبيعة السياسية الطائفية والتبعية الاقتصادية للنظام القائم وتناقضاته، وسياسته النقدية والمالية والفساد المستشري الذي أفقر شعبنا وأدّى إلى الانهيار وتحلُّل الدولة.
فالدفاع عن الوطن يستدعي داخلياً بناء وطن حر ودولة مواطنة توحّد شعبنا وهويته الوطنية العربية، وتعزّز القدرة الدفاعية لحماية هذا الوطن.
رابعاً: يعكس اندفاع الشيوعيين للانخراط في المقاومة الوطنية تَكوُّن وعيهم وقناعاتهم بأفكار وأهداف حزبهم الوطنية، ولا ينتظرون مكافأة مادية أو غيرها، بل يقوم انخراطهم على التطوّع. وتبقى بطولاتهم وتضحياتهم راسخة في تاريخ حزبهم وشعبهم وذاكرة رفاقهم ووطنهم.
- تحيّة كفاحية لإنطلاقة "جمول" ومؤسّسيها
- المجد والخلود لشهداء "جمول" وكل المقاومين للعدو الصهيوني ولشهداء وأبطال غزّة وفلسطين
- الخزي والعار للمتواطئين مع العدو الصهيوني والصامتين عن مجازره الوحشية.

  • العدد رقم: 425
`


موريس نهرا