الجواب على واقع بعض زعماء العرب أنّهم فقدوا أي إحساس بالكرامة، أي أن علاقتهم بالسلطة –التي تمثّلها الولايات المتّحدة الأميركية-هي علاقة تذلّل وتبعية وعمالة.
لكن ترامب ليس بمجنون (متعجرف، ممكن)، وأميركا ليست بقوية. لقد دخلت أميركا منذ فترة طويلة حالة تراجع، وما وصول ترامب إلاّ أمرٌ طبيعي، عوّدنا تاريخ الأزمات الكبرى في الرأسمالية عليه. فعندما تصبح الأزمة عميقةٌ لدرجة تعجز الوسائل التقليدية عن علاجها، تبدأ الفاشيّات بالظهور، ويظهر معها نماذج جديدة من الحلول.
أمّا ما نراه اليوم، فهو ما يميّز هذه الأزمة بالذات، أي أنّها ليست كغيرها من الأزمات العميقة. لذا فالتخبّط الذي يعانيه ترامب اليوم قد عاناه أوباما قبله وبوش. وجميعهم لم يجدوا حلولاً لإيقاف حالة التراجع. استخدم بوش الحروب لتأجيل الانهيار ولكنّه فشل في ذلك، فانفجرت الأزمة المالية في عهد أوباما. أمّا مع ترامب، فإن حالة الضعف وعدم القدرة على السيطرة قد وصلت إلى ذروتها. هو اليوم غير قادر على إنهاء أيّ ملف خارجي فتحه منذ وصوله إلى الرئاسة. لا مع كوريا الشمالية ولا في فنزويلا ولا إيران وكذلك حربه التجارية الخاسرة لا محالة مع الصين، ومحاولاته للحدّ من نفوذ روسيا. كل هذه الملفات معلّقة اليوم بعد أن أوصلها ترامب إلى ذروة التأزيم. فما الذي سيحدث؟
ما سيحدث هو ما قد بدأ فعلياً بالحدوث. إن السيطرة الإمبريالية للولايات المتحدة ستنتهي حتماً. ولمن يريد بعض الدلائل على ذلك، نحيله إلى ما ذكرناه أعلاه بالإضافة الى نتائج قمة "التعاون وبناء الثقة في آسيا" والتي تُعتبر نتائجها رسالة واضحة للتسلّط الأمريكي في منطقة آسيا وخاصة في الشرق الأوسط. ذلك حيث رفض بيانها الختامي الذي وافق عليه رؤساء 26 دولة آسيوية من بينها الصين وروسيا، كل السياسات الامريكية في آسيا، وخاصة الملف النووي الإيراني والأزمة السورية وكذلك ما يسمى "بصفقة القرن".
تمتلك حيوانات وحيد القرن حاسّة بصرٍ ضعيفة، وهي من الحيوانات المهدّدة بالانقراض.
كل نظام عالمي يعيق تطوّر البشرية مصيره الانقراض. أمّا الرأسمالية، ففد كان تاريخها مجبول بالدماء والتمييز والقهر. ولا شك أن زوالها لن يكون بالأمر السهل.
أمّا صفقات ترامب القرنية. فهي أيضا صفقات تتميز بحاسة بصرٍ ضعيفة، وتعتبر من الصفقات التي ستنقرض حتماً.
وحيد القرن
لماذا يعتقد بعض الزعماء العرب أن أميركا قوية، وبأنّها قادرة على فرض أجندتها، فيسيرون دون أي نقاش في صفقاتها؟ انتبهوا لكلمة "صفقة". هل أصبحت قضايانا مجرد صفقات تجارية يحدّد سعرها صهيوني صاهر رئيس الجمهورية الأميركية؟ ألم تكن قمّة الإهانات أن نقول عن أحدهم بأنه دخل صفقة في إطار قضية محقّة؟
النداء 2024. حقوق المنادى فقط محفوظة.