بهذه الخفّة تقاد البلاد


تستمر البلاد في مسارها الانحداري نحو قعر القعر، فيما قيادتها السياسية مستمرةٌ في حماية مصالح المتنفذّين والفاسدين من أهل بيتها، وفي حماية مصالح رؤوس الأموال المتحكّمة بالقطاع المصرفي والعقاري والودائع والاحتكارات التجاريّة.
استقواء بالمرجعيات الروحية والطائفية لتحصيل مكتسبات سياسية على نفس النهج الذي ساد منذ عقود، واستجداء للخارج عنوانه التسوّل مقابل القرار السياسي والسيادي والثروة النفطية. انتظارية قاتلة على أمل ولادة تسويات إقليمية-دولية بعد استلام الرئيس الأميركي الجديد مقاليد الحكم، ومعها تقبع البلاد في الثلاجة السياسية، وتحت لهيب نار الانهيارات الحارقة.


تحت الضغط الشعبي، التحقيقات في جريمة انفجار المرفأ سجّلت استدعاءات واسعة على مستويات رئاسية ووزارية، فالتمّ أقطاب الحكم، على اختلاف صنوفهم وتناقضاتهم، ليتكاتفوا ويتعاضدوا على قاعدة حماية مصالحهم أولاً، وستشهد الأيام المقبلة تنفيساً لمسار التحقيق كي لا يتمكن القضاء ولا الشعب من تسجيل أي نصر صغير، ولو كان تنفيسةً صغيرةً عن عقود من الإذلال وعن آلام ضحايا الجريمة النكراء التي دمرت بيروت وهزّت لبنان حتى صميمه.
أمّا صحياً فحدّث ولا حرج: وزير الصحّة أعلن عند بدء انتشار الكوفيد أنّ لبنان لديه الأدوية اللازمة لمكافحة الوباء (؟!)، ومن ثمّ احتفل دابكاً في مهرجان الانتصار على الكورونا في اوّل الصيف، قبل أن يقطع قالب حلوى مؤخراً في مناسبة شعبيّة منقولة على الهواء فيما كان يفرض حجراً على باقي المواطنين.
وفي سياق السقوط الحرّ الذي يقوده الساقطون، يأنّ الناس تحت نير الأزمة الاقتصادية ويتحضّرون لتحرير سعر صرف الدولار عن السلع الأساسية (والذي يسمّونه "دعماً"). يتنطّح نواب أحزاب السلطة لتبرير ذلك بأنّ الناس باتوا يخزّنون الدواء والمازوت والطحين في بيوتهم، وكأنّ محاولة الناس للاستمرار بالعيش بما تيسّر هي جريمة يعاقب عليها القانون!
بهذه الخفّة تقاد البلاد، ومعها صحّتنا واقتصادنا وأمننا وحياتنا، حتّى بات بعض الناس يرى في الموت حياةً أفضل من تلك السائدة.