لبنان بين الإصلاح الضروري داخلياً والمخطط الصهيو-أميركي خارجياً

يعاني لبنان ظروفاً معقدة بدأت منذ تأسيسه وتزداد تعقيداً حتى اليوم وينجم تأثيرها الأساسي من عاملين أساسيين يتمثل الأول بتدخلات الخارج ومخططاته للسيطرة على المنطقة منذ اتفاق سايكس بيكو ١٩١٦ ووعد بلفور. والعامل الثاني يتمثل بسلطة ونظام يقومان على الأسس الطائفية وتحاصصاتها والانقسامات التي تستولدها. وقد أدى كل ذلك إلى أزمات متمادية وانقسامات وحروب أهلية. مما جعل اللبنانيين يعيشون أزمات ومراحل صعبة ومريرة.

لذلك فهُم اليوم يحدوهم الأمل بولوج مرحلة جديدة تخرجهم ومعهم لبنان من الهوة التي تسببت الطبقة السلطوية وسياساتها بغرق الشعب وحياته فيها. ويرتبط أملهم هذا بكون العهد الجديد وحكومته برئيسها هم من خارج السرب السلطوي المعروف. على أمل أن يكونوا على قدر المهمة المطلوبة باعتماد نهج سلطوي جديد يعيد ثقة اللبنانيين ببلدهم ويردم الهوة بين الشعب والسلطة.. فهل يحقق المسؤولون الجدد أماني شعبنا وضروراته الاجتماعية والوطنية..؟؟
بالطبع لم يعد الاصلاح والتغيير مجرد خيار... بل بات ضرورة يستدعي وضع شعبنا ووطننا تحقيقها. فبدون تبني نهج إصلاحي يغير ظروف حياة الناس ويلبي مطامحهم الوطنية والاجتماعية وبناء دولة حديثة متماسكة وطنية وديمقراطية وعلمانية تحقق المساواة بين المواطنين والعدالة الاجتماعية.. بدون كل ذلك يستحيل الاستمرار بالوضع كما هو عليه.
فانحلال الدولة وشلل مؤسساتها واستشراء الفساد ومصادرة البنوك لأموال المودعين وجشع المحتكرين المستغلين قد أدى إلى إفقار أكثرية اللبنانيين الساحقة وجعل أكثر من نصفهم تحت وحول خط الفقر...
وجرى استغلال الطائفية وعصبياتها لتغطية الفاسدين والمرتكبين وجعل التناقضات والخلافات داخل صفوف الشعب. وإجبار أي طالب وظيفة أو موقع في مؤسسات الدولة بالمرور الإلزامي على زعيم طائفته.. وأمام هذا الوضع البائس لا يكفي طيب النوايا وليس غريباً أن تواجه نوايا أو رغبة السلطة الجديدة صعوبات أو عقبات يفتعلها أهل الفساد والارتكابات... فالطبقة السلطوية التي تتضرر مصالحها من اعتماد نهج إصلاحي فعلي... من جهة.. وقوى الخارج على اختلافها من جهة أخرى، من مصلحتهما إبقاء نظام التناقضات الطائفية ليتيح لها التدخل وامتلاك النفوذ داخل لبنان وإبقائه ضعيفاً وتابعاً.. وليس خافياً وجود مخطط صهيوني أميركي يرمي لإقامة شرق أوسط جديد من خلال إثارة الفوضى البناءة.. أي خلق اضطرابات بتحريض هذه الأقلية أو تلك لإحداث فتن ونزاعات داخل البلدان العربية خصوصاً المجاورة للكيان الصهيوني.. هذا إضافة إلى الضغوط التي ترمي الى إخضاع الدول العربية لسياسة التطبيع لتصبح إسرائيل الدولة الأقوى والمهيمنة على المنطقة.. إضافةً إلى إزالة فلسطين عن الوجود وتشتيت أهلها في العالم وحرمانهم من حقوقهم التاريخية في وطنهم.
وإنّ هذا المخطط الداعم للحرب التدميرية ضد لبنان وبخاصة مناطقه الجنوبية يشكل دليلاً على عدوانية إسرائيل ومطامعها التوسعية ومناهضتها لكل أشكال مقاومتها السياسية والثقافية والديبلوماسية وليس العسكرية فقط، طالما أنها تناهض المخطط الصهيوني الأميركي.. هذا مع أن المطلوب والضروري هو استكمال تحرير أرضنا وجنوبنا من احتلال أي شبر من أرض لبنان.. وإن هذه المهمة تترافق مع إصلاح وتغيير يلبي حاجات الشعب والوطن وإيلاء الأهمية اللازمة للقضية الاجتماعية وتحسين معيشة الناس... وتجنب إضافة رسوم وضرائب تضيف أعباء جديدة على كاهل اللبنانيين الذين تعجز أكثريتهم عن توفير مقتضيات الحياة والعيش، ورفض قبول المساعدات الخارجية المشروطة سياسياً..
إن ما ينتظره شعبنا من السلطة الجديدة هو الانطلاق من مصلحة الشعب والوطن... وهذا ما يستدعي إقامة دولة وطنية ديموقراطية علمانية تنهي عهد الطائفية وحروبها.. وتبني لبنان الواحد المستقل والوطن الحصين.

# موسومة تحت :
  • العدد رقم: 428
`


موريس نهرا