سجون واكتظاظ وكورونا.. ماذا عن المعالجات؟


لا يزال نحو نصف السجناء الـ 69 الذين تمكنوا من الفرار منذ أشهر من سجن قصر عدل بعبدا أحرارًا، ولم تتمكن القوى الأمنية من القبص عليهم واعادتهم الى السجن ليخضعوا للمحاكمة العادلة وتنتهي قضاياهم بما لهم وما عليهم، وبالسرعة الواجب أن يسير بها القضاة ليس في هذه القضية فحسب بل في جميع المحاكمات التي يشرف عليها القضاء اللبناني. علمًا أن هروب هؤلاء السجناء لم يكن الأول ولن يكون الأخير.


فحالة السجون في لبنان تزداد سوءًا يومًا في أثر يوم، وتتضاعف الحاجة الى سجون من نوع مختلف، حيث يكون فيها للسجين محطة نحو اعادة صوغ حياته بعيدًا من الجريمة ومضاعفاتها. فوظيفة السجون اضافة الى توقيف المجرمين لمنع تماديهم بالجريمة وارتكاب المزيد منها، هي الاصلاح وتقويم سلوكيات المنحرفين وإعادة تأهيلهم اجتماعيًا وسلوكيًا وحتى مهنيًا لحماية المواطنين وحفظ الامن وتنظيم العلاقات بين الافراد والجماعات.
يتفق معظم العارفين على أن السجون اللبنانية تفقد أي نوع من أنواع الوظائف السجنية الحقيقة، ويقتصر دورها على تجميع الموقوفين في ضمن عدة جدران بشكل لا يليق بانسانيتهم على الاطلاق.
فمنذ سنوات طويلة لم تنشئ الحكومة أي سجن جديد في لبنان، بل اقتصر عملها على صيانة بعض السجون ودار حول بعض تلك الاعمال شبهات بالفساد كما حصل في سجن رومية منذ عدة سنوات، وتراشق في حينها المعنيون التهم وكالعادة، انتهى البحث في تلك القضية ولم يطلع اللبنانيون على أي نتيجة ايجابية تتعلق بها. وهكذا ينحصر دور ورش العمل في السجون بما يمكن تسميته بـ " ترقيعات" لا تسمن ولا تغني من جوع.
في هذا الوقت تتضاعف أعداد الموقوفين في السجون البالغ عددها 23 سجنًا، والنظارات البالغ عددها 187 والمعطل منها 18 نظارة. فقدرة السجون الاستيعابية تبلغ 3663 في حين يسجن فيها فعليًا 5263 شخصًا، بينما قدرة النظارات الاستيعابية 1904 يوجد فيها فعليًا 1616 شخصًا. وهم موزعون وفقًا لما يلي: يوحد في سجن رومية 3804 سجناء بينهم 2203 لبنانيين و1162 سوريًا و439 من عدة دول. ويوجد في جميع السجون الاخرى 1976 لبنانيًا و677 سوريًا و573 من عدة دول.
وبينما يوجد في نظارات قصور العدل 466 لبنانيًا و253 سوريًا و 153 من عدة دول، فإنه يوجد في نظارات قوى الامن الداخلي 873 لبنانيًا و 527 سوريًا و 258 من عدة دول. فيكون مجموع السجناء اللبنانيين 5518 سجينًا أي ما يقارب الـ 57.7 بالمئة من مجموع السجناء، و2619 سوريًا أي ما يقارب الـ 27.4 بالمئة من مجموع السجناء و 1423 من عدة دول أي ما يقارب الـ 15 بالمئة من مجموع السجناء. وينام غالبية هؤلاء في الغرف بطريقة المناوبة ليلاً نهارًا وما يسمى " كعب وراس".
وبرغم من أن القضاة يتساهلون في التوقيفات هذه الايام بسبب جائحة كورونا، فإن نسبة ارتفاع الجريمة في السنة الفائتة مقلقة وبالتالي تؤشر في المستقبل الى زيادة في أعداد الذين سيتم توقيفهم على خلفيات وقوع جرائم كثيرة. فالأرقام التي سجلت في السنة الماضية كانت صادمة لجهة عددها؛ فنجد أن السرقة الموصوفة التي تستهدف المنازل والمحال التجارية والصيدليات وغيرها، قد فاقت الـ 2300 عملية في سنة 2020 بفارق زاد عن الـ 700 عملية عن سنة 2019، وهذا أمر ينسحب على جميع عمليات السرقة والسلب والنشل، وسرقة السيارات ايضًا، هذا عدا عن الزيادة التي فاقت الـ 70 بالمئة من حوادث القتل ذات الطابع الجنائي. كل تلك المعطيات تشي بأن التوقيفات ستزداد في هذه السنة وأن الاكتظاظ في السجون والنظارات سيتضاعف ايضًا، وبالتالي يصبح السؤال الملح ماذا سيكون عليه مسار التحقيق لدى القضاة، وهل سينتظرون هدية من السياسيين لجهة اقرار قانون العفو العام؟
القضاة من جهتهم يصوبون على القوى الامنية فيتهمونها بأنها مقصرة في نقل السجناء لكي يخضعوا للتحقيق. في حين أن القوى الامنية تتهم القضاة بالبطء الشديد في التحقيقات التي يقومون بها. وبالتالي فالجهازين يتنصلان بشكل أو بآخر من مسؤولياتهم التي يجب أن يقوما بها بشكل دقيق وحاسم، ولا سيما في ظل ما تشكله جائحة الكورونا من خطر يستهدف السجناء والسجانين في حياتهم على حدٍ سواء، فآخر المعطيات التي أوردتها القوى الأمنية أشارت الى وصول حالات الشفاء المخبري والسّريري والزّمني من فيروس "كورونا" في سجن رومية المركزي إلى 581 حالة من أصل العدد الإجمالي 628 حالة إيجابية، من ضمنها 8 حالات إيجابية في نظارة قصر عدل بيروت، وحالة إيجابية واحدة في سجن القاصرات، وذلك بعد إجراء 2188 فحصاً مخبرياً (PCR) للنزلاء. ويوجد في سجن زحلة 4 حالات وفي نظارة مخفر بعلبك، توجد حالتان إيجابيتان. وفي نظارة قصر عدل طرابلس، توجد 3 حالات إيجابية. و 5 حالات في سجن جبيل الخ.
في ظل هذه الظروف لا بد من الاضاءة على المواد القانونية التي بإمكان القاضي الاستفادة منها لجهة تسهيل عملية التحقيق التي يجريها. فقد أجازت المادة 108 لقاضي التحقيق ان يخلي السبيل في الجنحة بعد مضي شهرين من التوقيف تمدد بقرار معلل لشهرين اضافيين إذا كانت وقائع الملف تستوجب ذلك. أما في الجناية فتختلف مدة التوقيف إذ يمكن للقاضي ابقاء الشخص موقوفًا ستة أشهر وتمديدها بقرار معلل الى سنة، باستثناء بعض الجرائم مثل الارهاب والقتل والاتجار بالبشر والمخدرات وفي هذا النوع القاضي غير ملزم بفترة زمنية لاخلاء السبيل.
وفي زمن الكورونا يقول الناشط في انتفاضة 17 تشرين المحامي حسن بزي، هناك تساهل من بعض القضاة الذين يطبقون النصوص القانونية حتى قبل استنفاذ المهل القانونية لان النص القانوني أجاز التوقيف بحدود هذه المهل كحد أقصى ولم يمنع القاضي من اخلاء السبيل ابتداءً من مرور خمسة أيام على التوقيف اذا ارتأى ضرورة او مبررًا لذلك.
والآن تعقد جلسات عبر تقنية الـ "فيديو كول" video call ويجري اخلاء سبيل البعض، ولكن للأسف هناك تقصير في مكان معين إن لجهة سوق الموقوفين وإن لجهة عدم توفر تقنية تلك التقنية بالمخافر حيث يكون الشخص موقوفًا، وهذا يعرقل عقد الجلسات وعمل القاضي الذي يرفض اخلاء السبيل قبل استجواب الموقوف. فتعذر الاستجواب مراراً وتكرارًا غالبًا ما يكون إما بسبب الكورونا أو عدم وجود آليات لنقل السجناء وبالتالي عدم السوق، أو بسبب عدم توافر التجهيزات التقنية في أمكنة الاحتجاز، وقد نصت المادة 47 الجديدة من قانون اصول المحاكمات الجزائية المعدلة بالقانون 191 على وجوب ان تكون أماكن التوقيف في النظارات مجهزة بتسجيل صوتي وتلفزيوني للتأكد من عدم تعرض الموقوف لأي اعتراف بالقوة ولتسهيل استجوابه عن بعد.
ويبقى أن هناك مسؤولية كبيرة على القضاة، اذ أن بعضهم يعتبر القضاء وظيفة وليس رسالةً، وهذا النوع من القضاة لا يأخذ بعين الاعتبار الظروف الانسانية للموقوفين ويتعامل معهم كنصف بشر وغالبًا ما يغيب عن مكتبه لعقد جلسات التحقيق والبت بطلبات اخلاء السبيل، بل أن بعضهم لا يطيعه قلمه لتوقيع قرار اخلاء السبيل من أساسه.
المطلوب حلّ جذريّ لهذه المعضلة يرتكز الى العناصر التالية:
1-اقرار خطة تطوير وبناء السجون
2- ترحيل المحكومين الاجانب ولا سيما السوريين منهم لاكمال انفاذ العقوبات في بلادهم والتخفيف من الاكتظاظ.
3- العمل على الجانب الانساني لدى بعض القضاة للتعامل مع الموقوف على انه انسان وليس شيئاً كي لا نقول وصفاً آخر. يختم بزي.
ولكن تبقى مشكلة أخرى يجري تسويقها لدى السلطة السياسية وربما تلجأ إليها قبل موسم الانتخابات النيابية، وهي ذهابهم الى اقرار قانون العفو الذي يوفر لمرشحي السلطة أصواتًا انتخابية في دوائرهم الطائفية، وهو بمثابة رشوة انتخابية بحسب المحامي مازن حطيط، والمعيب فيه أنه ينقسم تحاصصيًا، تمامًا كما كل شيء عند هذه السلطة، فنسبوا جريمة المخدرات لطائفة، والارهاب لطائفة، والعمالة لطائفة أخرى. في حين أن المطلوب هو معالجة المشكلة الأساسية للاكتظاظ والمتمثلة بعدة امور منها: تقاعس القضاء عن القيام بدوره في تسريع المحاكمات، وتطوير القوانين المتعلقة بها، وعدم قيام القوى الامنية بدورها بشكل جيد لجهة سوق الموقوفين الى النيابات العامة في المواعيد المحددة لهم. ويتابع حطيط بدلاً من اصدار قانون كجوائز ترضية ينبغي محاسبة المقصرين وحثهم على القيام كل بدوره على أكمل وجه وحينها لن نكون في حاجة الى قانون للعفو العام. ويتساءل حطيط: هل إطلاق السجناء في ظل الازمة الاقتصادية الخانقة التي يمر بها لبنان سيكون له مرود ايجابي ولا سيما ان عملية مراقبة وادماج السجناء في المجتمع لا وجود لها في جميع المؤسسات ذات الصلة في لبنان؟!