عملت الجمعيات النسوية في لبنان منذ تسعينيات القرن الماضي، على تفريغ الحركة النسوية من بعدها السياسي، وتجزيء القضايا لما يلائم أنماط الجهات المانحة، حتى بات هناك اعتقاد بأن النضال النسوي هو غريب عن مجتمعاتنا، وبالتالي هو مثل أي منتج آخر مستورد في لبنان.
من هي ماري؟
يبدأ الكتاب مع لارا، كانت تريد العودة الى المنزل بعد ان قاطعها سامي وأسكتها مدير النقاش خلال اجتماع في بيروت. وينتهي مع ماري وزميلتها التي تقلها الى المنزل، والتي استكملت الجملة "لوين منوصلك ماري؟". كانت هذه الجملة الختامية في الكتاب فتقرر استخدامها عنوانا للكتاب. تطرح هذه الجملة، بحسب ضو، تساؤل حول وجهة الحركة النسوية. وقد تقصدت ضوأن تطلق على هذه الشخصية اسم "ماري"، تحية الى الجيل الأول من الشيوعيات المسيحيات، خاصة عاملات المصانع. يوجد اعتقاد شائع بين الأوساط الشيوعية واليسارات الجديدة وما بعد الجديدة، والتي كان للكاتبة تجارب فيها، بأن المسيحيين لا يُستقطبوا ولا يتنظموا إلا في أحزاب القوات والكتائب والعونيية. ينفي هذا الاعتقاد قدرة اليسار على استقطاب أشخاص من بيئات مسيحية على الرغم من فشل الشيوعيين، بعد الحرب الأهلية، في إعادة مكاتبهم إلى المناطق التي أسسوا فيها حزبهم. وفي الوقت نفسه يبارك هذا الاعتقاد لأحزاب اليمين في هذه المناطق التشبيح على الشيوعيين القاطنين فيها. وكأن هناك وصمة على المسيحيين ضمن اجواء اليسار حيث "تضطرين الى اثبات مرارا وتكرارا بأنك لست برجوازية او مشروع عميلة صهيونية"، بحسب ضو.
يعكس الحدث الاول في الكتابة الديناميات بين الشباب والفتيات عبر إسكات نورا، بأسلوب لا يعكس القمع الجندري فقط، بل هو قمع سياسي، لان الشخص المقابل لها يرفض موقفها السياسي، ولجأ لاستخدام سلطته كرجل لاسكاتها، وهذا ما حدث مع برناديت وغيرها من النساء في العمل السياسي، وخاصة في الاحزاب والمجموعات اليسارية، وغالباً ما تتعرض النساء والفئة الشابة والطلاب لهذا القمع.
رحلة الكتابة
تعود ضو الى مسار انتاج الكتاب. انطلق من بحث جامعي أجرته ضو حول تاريخ الحركة النسوية في لبنان. ارادت تحويل محتوى البحث الى مادة سهلة القراءة، وبصرية أيضا. كما أن العمل الأكاديمي يجبر الكاتبة ان تضع القصص الشخصية في قوالب لغوية غريبة عنها، بهدف تحليلها لتناسب قوالب نظرية، لكن هذه القصص اساسية لفهم مسار الحركات النسوية.
شكل الاهتمام بتاريخ الحركة النسوية الدافع وراء اجراء ضو هذا البحث، حيث لاحظت أن العمل النسوي يتركز في الجمعيات ومنصات انتاج المعرفة والفنون ضمن نمط غير ديموقراطي فارغ من العضوية والاليات الواضحة لاتخاذ القرار. كما يغيب الجزء الكبير من العمل النسوي ذي البعد العمالي واليساري والشيوعي. عندما تأسست لجنة حقوق المرأة، كان من بين مؤسسيها عضوات في قيادة الحركة العمالية والنقابية التي قاومت الاستعمار الفرنسي وأصحاب المصانع والريجي، وكان العمل النقابي يهدف للتحرر الوطني وتحرر النساء.
بعد وضع الفكرة انتقلت الى التنفيذ، وشارك في عملية اختيار الفريق يزن السعدي، وهو خبير في الشرائط المصورة. اتفقا على ان تكون المعلومات مبسطة وأن تظهر مدى التنوع في الفكر النسوي وتناقضاته في لبنان عبر الكوميكس. بعد كل جلسة نقاش، كانت تنبهر ضو بالرسوم التي تصل عن النص، عبر مشاهدتها للكلمات بصيغة بصرية، وهو مسار عكسي لما قامت به خلال العملية البحثية.
اختار ضو والسعدي الكتابة باللهجة المحكية ليعودوا إلى التجارب الشخصية، اذ كل شخصية تمثل جيل وحقبة، وكان هناك تجميع لقصص روت أمام ضو، كما للتجارب السياسية التي خاضتها، أو تلك التي اكتشفتها خلال البحث وخلال القراءات في أرشيف الصحف، وفي الافلام أيضاً مثل فيلم ماري جرمانوس "شعور اكبر من الحب" عن الحركة النقابية.
كانت الفكرة تقوم على تقديم الموضوع بصورة شعبية، ومولت مؤسسة روزا لوكسمبورغ المشروع، اخذوا الموافقة الاولية في صيف عام 2019، على أن يتم التوقيع على العقد في تشرين الاول، لكن بحكم الانتفاضة تاجل ذلك الى كانون الاول 2019. بدأ العمل وانتشر وباء كورونا، وفي صيف 2020 وقع انفجار مرفأ بيروت، مما ادى الى تأخر في انهاء العمل لاشهر اضافية.
اختير الفريق النهائي بعد أن تم التواصل مع عدة رسامات، وكان الهدف من ذلك إظهار الحقبات التاريخية بأساليب رسم مختلفة.
بدأ العمل على النصوص في منتصف كانون الثاني حتى شهر اذار، وتواصلوا مع الرسامات في نيسان عام 2020. ارسلوا النص الى عدة اشخاص ووقع الاختيار في اجتماع للمختارين، وفقاً لاسلوب الرسامة وكيفية تفاعلها مع النص. ولاحقاً اخترن الرسامات المحور اللواتي يودن العمل عليه. بدأ العمل على تصميم الشخصيات خلال عملية الرسم بناء على تعليمات وتوجيهات ضو والسعدي، حيث كان للاخير خبرة في كتابة الكوميكس ونقلها بشكل تطبيقي. .
صدر الكتاب في اذار 2021 اونلاين وطبع في نيسان، وكان التفاعل لذيذ، خاصة مع النسخة الانكليزية، واكثر من احببنه هن نسويات ايطاليات. في لبنان، نال الكتاب اعجاب "جدلية" و"مصدر عام" وغيرها، لانه يضع الحركة في سياقها التاريخي والاجتماعي المحلي.
الخلاف مع جائزة محمود كحيل
تم الإعلان عن الأعمال المرشحة لنهائيات جائزة محمود كحيل، وكانت ضو متحمسة جدا أن يترشح الكتاب الى جانب أسماء لديها خبرة كبيرة في مجال الكوميكس، وهو مساهمتها الأولى في هذا النوع من الكتابة. إلا أن تنظيم معرض الأعمال المرشحة على النهائيات في دار النمر في بيروت أدى إلى انسحاب ضو من المعرض، بعد تشاورها مع الفريق المنفّذ، موضحة ذلك في البيان التالي:
"الفن لا يمكن أن يطبّع مع الإجرام الاقتصادي
أعلمني القيمون والقيمات على جائزة محمود كحيل بأن حفل إعلان الفائزين ومعرض المرشحين النهائيين سيقام في دار النمر، لصاحبه رامي النمر، رئيس مجلس إدارة مصرف فيرست ناشيونال بنك.
تداولت تقارير صحافية عديدة أخبارا بأن هذا المصرف مشتبه باشتراكه بجرائم مالية متمثلة بسوء استخدام أموال المودعين، والمساهمة في الانهيار المالي والاقتصادي المستمر في لبنان. وإذا صحّت هذه التهم، فإن رامي النمر يكون قد ساهم في تدفيع ثمن الأزمة للسكان الأكثر فقرا، من لبنانيين ولاجئين وعمال مهاجرين، عبر تفقيرهم وتجويعهم وحرمانهم من أبسط مقومات العيش. وهذه الأسباب نفسها هي التي أدّت إلى تهجيري والكثير مثلي، وهروبنا إلى الخارج بهدف الحصول على فرص عمل تعيلنا ومن تركنا وراءنا من أهل وأصدقاء.
ولما قررتُ سحب الكتاب من المعرض لم يوافق على ذلك الفريق الذي تعاونت معه على إنتاجه. لذلك أصدر هذا البيان باسمي الشخصي. لا يمكن لكتابي أن يُستخدم وسيلة لغسل صورة أي شخص أو كيان يشتبه في ارتكابه إحدى أفظع خطط "بونزي" في التاريخ."
من جهته اكد السعدي انه مؤيد لموقف ضو، لكنهم يتعاملون مع مؤسسة مصرف، ومن غير المفيد الانسحاب بطريقة احادية، بل يفضل التواصل مع جميع الفنانين المشاركين للانسحاب كمجموعة، الامر الذي سيعكس الموقف الرافض، فيما الانسحاب من طرف واحد لا يفيد، ويضيف "لم اعارض طلب برناديت بالانسحاب، وهي تملك الحق للقيام بذلك وانا ادعمها بذلك"، ويؤكد ان باقي الفانين يتشاركون موقف يزن.
اما مديرة مبادرة معتز ورجا صواف للشرائط المصورة العربية في الجامعة الاميركية في بيروت لينا غيبة فقالت انها غير معنية بالرد على برناديت، "حيث من الواضح انها منزعجة لخسارة كتابها، والمهم بالنسبة لي هو رفض الفنانين المشاركين معها الانسحاب، وهم موافقتهم على المشاركة في الحفل". وبعد الاستفسار من غيبة عن اعتبار ذلك تطبيعا مع المصارف في الظرف الذي يمر به البلد، ختمت، قبل أن تقفل الخط بوجه كاتبة هذه السطور، بأنهم "يفصلون ولا يجمعون القصص ببعضها".