الأملاك العامة البحرية، ملكٌ للشعب، كلّ الشعب

يكثر التساؤل حول أحقية المواطن في الوصول إلى الشاطئ البحري على امتداد الساحل اللبناني، في ظلّ التعدّي السافر على الأملاك العامة البحرية، إذ يرتبك معه العقل اللبناني العنيد، فتختلط عليه حقوقه، ويقع بين شاقوفي: حق الانتفاع بالشاطئ البحري وواجب عدم المساس "بحقوق" مستعمري هذا الشاطئ، فتنفصل بالنتيجة حقوق المواطن المكرّسة قانوناً، والتي ينحصر وجودها في الإطار النظري عن واقع الحال المغاير لها.

إن النظام القانوني اللبناني كما العديد من الدول الغربية ذات الأنظمة الديمقراطية الليبرالية تقوم على المبدأ الفلسفي المعروف "بالعقد الإجتماعي"، المتمثّل بتنازل المواطن عن جزء من حرّيته وحقوقه مقابل تأمين الدولة لاحتياجاته الأساسية من نقلٍ وتعليمٍ وطبابة.. إلخ. وقد أنتج هذا المبدأ مفهوم المصلحة العامة كما أنتج مفهوم امتلاك الدولة لأموالٍ مختلفة بغية وضعها بتصرّف العموم والمعروفة بأملاك الدولة العامة التي عرّفتها المادة الأولى من القرار ١٤٤/س الصادر عن المفوض السامي في لبنان عام ١٩٢٥ بأنها الأملاك المعدّة بحسب طبيعتها لاستعمال الجميع أو لاستعمال مصلحة عامة، فهي تلك الموضوعة لخدمة الشّعب كالطرقات والشوارع والممرات ووسائل المواصلات، وتضيف المادة الثانية من القرار المذكور أن هذه الأملاك تشمل بشكلٍ خاص شاطئ البحر حتّى أبعد مسافة يصل إليها الموج في الشتاء وشطوط الرمل والحصى، وهي تدخل ضمن ما يعرف بالأملاك العامة البحرية، أما المتبقي من الشاطئ التي لا يصل إليه موج البحر في فصل الشتاء فهي أملاك عامة برّي، مع الإشارة إلى أن جميع الأملاك العمومية تخضع لنظام قانوني موحّد.
فمن أجل تحديد هذا النظام القانوني يقتضي التمييز بين أملاك الدولة الخاصة والعامة منها، فالأولى هي تلك التي تملكها الدولة كما يملك أي فرد في المجتمع، فيحق لها التصرّف بها وبيعها وتأجيرها. أمّا الثانية فهي خاضعة لمبدأ "التجميد" وهو المبدأ الذي يقيّد الدولة من التصرّف بهذه الأملاك بسبب طبيعتها المعدّة لخدمة العموم، فلا يمكن للدولة نقل ملكيّتها للغير، كما لا يمكن اكتساب ملكيّتها بوضع اليد.
إلا أن القرار ١٤٤/س الذي نظّم الأملاك العمومية وفي مادته الثالثة قد استثنى من مبدأ التجميد أصحاب الحقوق المكتسبة الذين لهم حقّ ملكية أو تصرّف أو انتفاع على هذه الأملاك بموجب العادات المتّبعة أو بموجب سندات قانونية حائزين عليها قبل وضع هذا القرار موضع التنفيذ، أي قبل تاريخ ١٠ حزيران ١٩٢٥، فإن الأشخاص المذكورين لا يمكن نزع ملكيتهم إلا عن طريق الاستملاك.
كما استُثني من هذا المبدأ أصحاب الامتيازات والتراخيص التي تصدر بمرسوم عن مجلس الوزراء مجتمعاً لا بمرسومٍ عادي، والتي تمكّن صاحب الترخيص من استثمار الأملاك العمومية ولا سيّما البحرية منها.
في ظلّ النصوص المذكورة واستثناءاتها، تستمرّ السلطة السياسية اللبنانية بالتعدّي على حقوق العموم ونهش ممتلكاتهم تكريساً لمصالح طغمة مالية جشعة، عبر التراخيص العشوائية التي تُمنح لأصحاب رؤوس الأموال لتشييد منتجعاتهم على الساحل اللبناني. كما تستمرّ هذه السلطة بقوننة أوضاع من تعدّى على الملك العام دون ترخيص بإصدار قوانين تسوية لأوضاعهم، آخرها القانون رقم ٦٤/٢٠١٧ المتعلّق بتعديل واستحداث بعض الضرائب والرسوم.
إلا أن الجديد في هذا القانون ما جاء فيه من تفعيل لمفهوم عمومية الأملاك البحرية ومبدأ تجميدها، عبر إلزام من يشغل الأملاك العامة البحرية بشكلٍ قانوني (سنداً لمرسوم) أو غير قانوني ويرغب بتسوية وضعه، بترك منفذٍ للمواطنين يمكنّهم من الوصول إلى الشاطئ، وذلك حفاظاً على وحدة تواصل الشاطئ اللبناني. و قد أناطت المادة المذكورة بوزارة الأشغال العامة والنقل صلاحية إنشاء أو الإبقاء على الممرات التي تتيح للعموم الوصول إلى الشاطئ، مما يعني أن الشاطئ البحري على امتداده أصبح بتصرّف المواطن، لا أحد سوى المواطن، ولا يجوز لأي من المسابح والمنتجعات البحرية منع المواطن من الوصول إلى الشاطئ والانتفاع به تحت طائلة الملاحقة القانونية، فتمسي الأملاك العمومية البحرية ملكاً للشعب، كلّ الشعب. ويبقى على وزارة الأشغال العامة والنقل كما المراجع القضائية المختصّة تفعيل هذا النصّ القانوني عبر إلزام مستثمري الأملاك العامة البحرية بتأمين هذه المنافذ للعموم كما ومنعهم من تخصيص شاطئ البحر لزوار منتجعاتهم ومسابحهم حصراً.
ويبقى على المواطن أن يدرك حقوقه ويطالب بها حتى الرمق الأخير.

 

  • العدد رقم: 361
`


مصباح دكاش