حِراب "النوروز" تنبت النّصر بمقاومتها

من مواجهة العصابات الفاشية والصهيونية في لبنان وصولاً الى تشكيل شوكة بحلق حكومات المنطقة، وغرز النعل الأخير في نعش تنظيم الدولة الإسلامية، كان الشعب الكردي حاضراً في نزاعات المنطقة كقوّة يُحسَب لها ألف حساب. الكفاح المسلح، في اللهجة الكردية، ليس الا استكمالاً لقضاياهم القومية والتقدمية في منطقة، كانت ومازالت تمارس قمعها العنيف تجاه المجموعة الإثنية الوازنة.

 

من هم الأكراد؟

شعبٌ آري العرق (هندو – أوروبي) يتكلم اللغة الكردية بلهجات متعددة أبرزها "الكورماجي" و"السوراني" و"الزازا"، ينتشر جغرافياً في مناطق جنوب شرق تركيا ("باكور" أي "الشمال باللغة الكردية)، شمال العراق ("باشور" أي "الجنوب")، غرب إيران ("روجهيلات" أي "الشرق") وشمال شرق سوريا ("روج آفا" أي "الغرب"). يتميزون بتنوّع ديني، فيطغى الإسلام بشقيه السني والشيعي على اختلاف طوائفهما، وفيهم المسيحية باختلاف تقويميها الشرقي والغربي، وبعض الأقليات الدينية الأخرى كالإيزيديين في جبل سنجار في العراق، وقلّة من الزرادشتيين في "روجهيلات". تقدّر أعدادهم في العالم بين 40 و60 مليون كردي في كردستان الطبيعية والشتات، يتواجد حوالي 120 الفاً منهم في لبنان. لا يوجد حتى اليوم إحصاء فعلي ودقيق لعدد الأكراد في لبنان نظراً لسوء وضع أحوالهم الشخصية، فهم كالكثير من المجموعات القومية الصامتة في لبنان، مكتومي القيد.

 

المسألة الكردية

يعاني الأكراد من غياب إطار دولاتي يرتكز على وجودهم كشعب واحد يشبه باقي الدول القومية في العالم، وقد ناضلوا منذ بدايات القرن الماضي باتجاه تحقيق حلم الاستقلال الكردي من الدول المجاورة وبشتى الطرق. عرف الأكراد حركات كفاح مسلح وتحرر وطني بطليعة القوى التقدمية والشيوعية من جمهورية مهاباد سنة 1946 بقيادة "قازي محمد"، الى الأحزاب اليسارية التي خاضت حرب تحرر وطني ضد الحكومات التركية، الى جانب العمال الأتراك منذ بداية الخمسينيات، كما والحكومات العراقية والسورية في فترات ما قبل البعث. ولم يتوقف هذا الكفاح المسلح عند مجيئ المد البعثي الى بلاد الشام، فحمل النضال الطابع الشيوعي والماركسي اللينيني بوجه حكومات الرجعيتين في دمشق وبغداد، ونَتُج عنه قيام "حزب العمال الكردستاني"، الذي وجد أرضية تأسيسه في لبنان سنة 1976 بقيادة الأكاديمي الكردي "عبدالله أوجلان"، والذي كان في طليعة عملية التحرر الكردية مذ ذاك التاريخ.

 

الأكراد في أممية النزاع

عرف حزب العمال محطات نضالٍ عديدة في معارك بيروت فترة ما قبل الاجتياح الاسرائيلي وخصوصاً في حرب السنتين. فكان له وجود في منطقة البربور وكورنيش المزرعة وبرج أبي حيدر وبرج حمود، بالإضافة إلى منطقتي الكرنتينا والمسلخ قبل مجازر العصابات الفاشية فيها، حيث انتقل حزب العمال بعدها الى منطقة خلدة وحارة الناعمة والشمال والبقاع. وكان لحزب العمال موقعٌ رديف للحركة الوطنية والحزبين الشيوعي والتقدمي الاشتراكي، كما وقد لعب دوراً بارزاً في عملية التصدي للعدوان الصهيوني سنة 1982، حيث قدّم عشرة شهداء في الدفاع عن قلعة الشقيف – أرنون، وعددٌ كبير من الشهداء في معارك الدفاع عن بيروت وسير أعمال جبهة المقاومة الوطنية. كان وما يزال لحزب العمال طابعٌ أممي خاص يعبَّر عنه بالتحام الشعبين الكردي والفلسطيني، والشعبين الكردي واللبناني في المعركة الطبقية الأممية ضد الفاشية والرجعية والاستعمار.

 

أعيد تنظيم جناح حزب العمال العسكري سنة 1984 على يد القائد العسكري الأسطوري محسوم قرقماز، الذي استطاع بحنكته وبجهود رفاقه الأمنية أن ينقل المعركة بثقلها الى عقر دار الحكومة التركية النيو – عثمانية، فواجههم بحرب عصاباتٍ مضنية عادت بخسائر مشينة وفادحة لتركيا، التي هي عضو في حلف شمال الأطلسي وصديقة أمريكا المقربة في المنطقة. وقد أكمل الحزب نشاطاته العسكرية في لبنان وأسس أكاديمية محسوم قرقماز العسكرية في البقاع. انتقل الحزب عقب عام 1993 – 1996 الى جبال قنديل في شمالي العراق بعد انتهاء الحرب الأهلية الكردية في العراق، وتوقيع اتفاقية واشنطن وفرضها عليه من قبل الحكومات البعثية في سوريا والعراق.

 

ولم تسلم حكومتي الشاه والمرشد في إيران من ضربات الـ "كيريلا" الكردية، فقد ناصب نظام الشاه العداء للأقلية العرقية، المعروفة بيساريتها في روجهيلات، بناءً على توصية الإدارة الأمريكية وخوفاً من المد الشيوعي والاشتراكي في المنطقة. كما ولم تكن علاقة نظام "الفقيه" بالشعب الكردي على قدم وساق، حيث كان للحرس الثوري الإيراني ومنظمات حزب العمال وحزب "الكوملة"، وثلّة من الأحزاب الشيوعية واليسارية الايرانية الأخرى، حصتهم من القتال العنيف في الجبال الوعرة والظروف القاسية. اعترف الايرانيون، كما الأتراك، ببَأس وشراسة مقاتلو حزب العمال المعروفين باسم "كيريلا"، الذين حافظوا على تقليدهم العسكري حتى يومنا هذا.

 

اليوم، يجد الشعب الكردي نفسه أمام تحدٍّ جديد ألا وهو الاسلام المتشدد كتنظيم داعش وجبهة النصرة. وكان للأكراد في مواجهة الإسلام المتشدد في شمال شرق سوريا ومنطقة عفرين حصة الأسد، حيث قدم الشعب الكردي مثالاً حقيقياً على مواجهة الرجعية بالتقدمية، وتقديم نظام حكم ذو خصائص اقتصادية واجتماعية تنطلق من مجالس محلية منتخبة ديمقراطياً كحلّ للمشكلة في حالة الحرب. أظهر الشعب الكردي صلابة في مواجهة العقبة المتمثلة بتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، وقدم الأكراد وخاصةً وحدات حماية الشعب والمرأة (YPG\YPJ) في سوريا، ووحدات مقاومة شنغال (YBS) في سنجار، كما وبعض قطع حزب العمال في "كوباني" وعفرين كبرى التضحيات، فبلغ عداد الشهداء حوالي الـ 13 ألف شهيد جانب الوحدات السورية و3200 مقاتل من حزب العمال بحسب المرصد السوري لحقوق الانسان.

 

عانى الشعب الكردي تحت وطئة الرجعية الداعشية، وقد تعرضت الأقلية الإيزيدية لأبشع أنواع التعذيب الجماعي، إن جاز التعبير. حوصروا على جبل سنجار وتم تطهير قراهم وقتل أطفالهم وشيوخهم، كما "بيعت" نساؤهم في أسواق نخاسة داعش، لكن القهر أنبت مقاومة نجحت بكسر رأس تنظيم الدولة وتحرير جبل سنجار بدماء الشهداء والجهود الاستثنائية بحلول عام 2015.