فن أم سياسة؟

أفهم سؤالكم. أنتم ترونني جالسا هنا وأنظر إلى المضيق في الخارج، الذي ليس له أية علاقة بالحرب.

ما الذي دفعني إذًا أن أهتم بكفاح الشعب الاسباني ضد جنرالاته؟ ولكن فكّروا لماذا أنا جالس هنا.

كيف لي ألّا أتدخل بكتابتي في شيء أثّر في حياتي بقدر شديد؟ وماذا عن كتابتي أيضا؟ لأنني أجلس هنا بصفتي منْفيّا (1)، وانتزعوا مني قُرّائي وجمهوري المستمع، الذين أكتب بلغتهم، ولا يتعلق الأمر فقط بناس أقدّم لهم أشعارا، وإنما هم ناس أهتم بهم أشد اهتمام. لا أستطيع أن أكتب إلّا لناس أهتم بهم؛ الأشعار هي تماما عبارة عن رسائل. والآن يخضع هؤلاء الناس لمعاناة لا توصف. كيف لي ألّا أتدخل في الأمر بكتابتي؟ وحيثما نظرت، لمّا أنظر إلى أبعد قليلا من هناك، حيث ينتهي ذلك المضيق، أرى بَشرًا يعانون مثل هاته المعاناة. ولكن عندما تُدمَّر الإنسانية، لم يعد ثمة وجود للفن. إنّ تأليف كلمات جميلة ليس فنّا. كيف للفن أن يُحرّك البشر إذا لم تُحرِّكه أقدار البشر؟ وإذا قسى قلبي أمام معاناة البشر، كيف لقلبهم أن ينفتح على كتابتي؟ وإذا لم أبذل جهدا لإيجاد مخرج لهم من معاناتهم، كيف لهم أن يجدوا الطريق إلى كتابتي؟ إنّ القطعة المسرحية الصغيرة (2) التي نتحدث عنها، تحكي عن كفاح صيادة سمك أندلسية ضد الجنرالات. وأحاول أن أظهر مدى صعوبة انضمامها إلى هذا الكفاح، وكيف أنها تحمل البندقية فقط عند أمس الحاجة. إنّه نداء للمقموعين لكي ينتفضوا على قامعيهم، باسم البشرية. لأنّ البشرية يجب أن تكون حربية في أزمنة كهذه، حتى لا يتم إبادتها. وهي في نفس الوقت رسالة مُوجَّهة إلى صيادة السمك، يتم التأكيد فيها، أنّ ليس جميع من يتحدث الألمانية يقفون إلى جانب الجنرالات ويرسلون قنابل ودبابات إلى بلدها. وهذه الرسالة أكتبها باسم الكثير من الألمان داخل وخارج الحدود الألمانية، باسم أغلبية الألمان. أنا متأكد من ذلك.

الترجمة عن الألمانية: محمد وليد قرين

العنوان في الأصل: Kunst oder Politik
تاريخ كتابة النص: فبراير/شباط 1938.
مصدر النص: Bertolt Brecht, Über Kunst und Politik, Reclam Verlag, ص. 13-14، لايْبزِيغ، ألمانيا الشرقية، 1977

ملاحظات المترجم:
(1) كتب بريخت هذا النص عندما كان يعيش في المنفى، في السويد.
(2) هي مسرحية Die Gewehre von Frau Carrar ("بنادق السيدة كرّار") ألّفها بريخت سنة 1937 وعبّر فيها عن تضامنه مع الجمهورية الاسبانية والجمهوريين اليساريين الاسبان في حربهم ضد القوى القومية والملَكِية التي كان يقودها الجنرال فرانكو.