ليكن العيد للجميع وليس للأثرياء فقط

ينقضي العام الحالي غير مأسوف عليه. فقد مرَّ على اللبنانيين مثقلاً بالأزمات والصراعات والمآسي.  إذ أن الأكثرية الساحقة عانت من الأزمات الداخلية الحادة،مترافقة أيضاً  مع  حرب العدو الصهيوني الوحشية . ويمتد الكثير من انعكاسات السنة المنصرمة وتفاعلاتها الى العام الجديد . وليس هذا الوضع اللبناني المأزوم  وليد الصدفة أو متأتياً من قدرة خارجية لا مرّد لها ، ولا من طبيعة سير الزمن الذي ليس بذاته سبباً للأحداث والمآسي التي تملأ مراحله . فالأزمات وتفاعلاتها تنبع من واقع النظام السياسي الاقتصادي الاجتماعي القائم، و من مدى توافقه او تناقضه مع قضية العدالة الاجتماعية للشعب ومصالحه وللمساواة بين الناس . وهذا ما يضفي على العيد طابعاً طبقياً  يتبدّى في عجز الكثيرين عن توفير مستلزمات العيد ، خصوصاً لإسعاد أطفالهم في شراء ثياب جديدة ومآكل طيبة،  وبالنزهات وحلوى العيد. فالكثير من العائلات لا يمّر عليها العيد، وهي تفتقد للشعور به. في حين أن أقليّة ضئيلة من الناس ، من أرباب المال والإحتكار والسلطة، راكموا أموالهم من الفساد والصفقات والاستغلال الجشع ، ويستمتعون بالعيد بأجمل أماكن لبنان أو في الخارج . وهم يتحكّمون بمقدرات بلدنا وشعبنا ، من الدواء الى الغذاء وحليب الاطفال ، إلى المتاجرة بالمحروقات التي يجري التواطؤ في أرباحها بين المعنيين في مصلحة الكهرباء وبين مافيات أصحاب الموّلدات . وهم يتاجرون بكل شيء ، وهاجسهم الأساسي هو ازدياد ارباحهم وتراكم ثرواتهم . 

ففي الحرب مثلاً يتحوّلون الى تجار سلاح وحاجات الحرب، ويستغلون جميع الفرص لسرقة مال الشعب ، من استيلائهم على الودائع في البنوك ، الى نهب المال العام . فالمال والثروة عندهم هي الوطن وهي المعيار في حياتهم وعملهم وأخلاقهم. لذلك يتمسّكون بنظامٍ طائفي تحاصصي يُبقيهم ويعيدهم الى مواقعهم وسلطتهم وممارساتهم .
ومع أن اللبنانيين معروفون بحبهم للحياة والفرح ، وهم عادةً يستقبلون العام الجديد ببهجةٍ وغبطة وتوسّم الخير ، إلّا أن التدهور المعيشي من جهة، والدمار الكبير لمنازل مئات ألوف الناس ، بخاصة في الجنوب والبقاع وأماكن أخرى من جهة أخرى ، يجعلهم عاجزين عن توفير مقتضيات العيد ، وقلقين على حياتهم ومستقبل أولادهم ، وبشأن إعادة إعمار بيوتهم وعودتهم اليها. خصوصاً أن العدو الصهيوني يواصل عربدته في تدمير منازل وأحياء في قرى كثيرة، رغم إتفاق وقف إطلاق النار . ويجري كل ذلك في ظلّ غطاء اللجنة الدولية الخماسية للمراقبة ، التي ترأسها الولايات المتحدة الأميركية . وليس غريباً ذلك على أميركا الداعمة لإسرائيل ودورها العدواني وحامية لها ، لكن الغريب هو صمت معظم السلطات العربية عن إطلاق يد اسرائيل بالتدمير في لبنان والإبادة المستمرة في غزة ، حيث تستعمل كافة الأسلحة ومنها التسبّب بموت الاطفال جوعاً ، وقصف المستشفيات بشكل متواصل ، وتدمير ما تبقّى. فبعض هذه السلطات أقامت علاقات تطبيع مع إسرائيل وبعضٌ آخر لديه حتى الآن علاقات تحت الطاولة . وبدلاً من استخدام وزن الدول العربية وثرواتها لصالح وقف حرب الإبادة، ولمصلحة الشعوب العربية وقضاياها، تلجأ الى قمع شعوبها ومنعها من القيام بدورها والتعبير عن إرادتها في التحرّر الوطني لبلدانها وللشعوب العربية ، وفي استخدام ثرواتها الضخمة لتحقيق التنمية الإقتصادية بدلاً من التواطؤ مع مراكز الرأسمالية العالمية التي تنهب هذه الثروات وتحرم شعوبها من التقدم والتطور الإقتصادي - الاجتماعي الضروري .
إن المشكلات والأزمات المتفاعلة في لبنان وسوريا والمنطقة، تؤكد خطورة المطامع الصهيونية ومشروع سايكس بيكو أميركي صهيوني . وهذا يقتضي لبنانياً وعربياً أوسع تلاقٍ للقوى التحررية في المواجهة المشتركة ، والعمل لبنانياً لتعاظم دور الحركة الشعبية من أجل بناء الوطن والدولة الوطنية القادرة عى جمع كل الطاقات لحماية لبنان، وعلى أساس المواطنة والمساواة وتحقيق العدالة الاجتماعية، خلافاً لدولة التحاصص الطائفي وانقساماتها العَمودية ، وتغطيتها للفساد ومنع المحاسبة ، حتى عن المتسببين بكارثة تفجير المرفأ ومهرّبي المال العام، وعجزها حتى عن انتظام دور الدولة وسلطتها في إنتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل الحكومات في المواعيد الدستورية .
بذلك وبتحقيق التغيير المنشود، يستعيد شعبنا عافيته وثقته بلبنان ومستقبله . وبذلك يصبح الشعور بالعيد وبمروره شاملاً الجميع .

وكل عام وأنتم بخير .
موريس نهرا