الأكراد وسوريا الجديدة: بين التحديات المستقبلية والتهديدات التركية

يمثل أكراد سوريا فئة أساسية من المجتمع الذي يعيش محطة تغيير تاريخية بعد سقوط النظام الذي دام حكمه ما يقارب ال 50 عاما. ولطالما كان الاكراد يعانون من قمع نظام حزب البعث بحيث قام حرمان الكثير منهم من حقهم بالحصول على الجنسية السورية، حيث فقدوا كل حقوقهم الأساسية من هوية، صحة، تعليم وعمل.

يقطن الأكراد بشكل أساسي في ثلاث مناطق ضمن الشريط الحدودي بين سوريا وتركيا والعراق من أهمها منطقة الجزيرة بمحافظة الحسكة، وعفرين بشمال حلب، وعين العرب. ويشكو الأكراد السوريون من الإعتداء على هويتهم ومحاولة سلطات الحكم في سوريا بطمس ثقافتهم عبر تغيير أسماء بلداتهم ومدنهم وحتى أشخاصهم، وحرمانهم من تعلم لغتهم.
الأكراد والتمويل الأميركي
مع اندلاع "الثورة السورية" في عام 2011، وجد الأكراد أنفسهم في مواجهة خيارات صعبة. فبينما كان النظام السوري يفرض قمعه على الاحتجاجات، بدأ الأكراد بتنظيم أنفسهم عسكريًا وسياسيًا. حيث لعب الأكراد دورًا محوريًا في الصراع السوري عبر تشكيل قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، التي تلقت دعمًا عسكريًا وماليًا من الولايات المتحدة الأمريكية. وكان الهدف الأساسي هو محارية تنظيم داعش، والإطاحة بالنظام و تحقيق مطلبهم بالحكم الذاتي.
وفي مواجهة التهديدات المتزايدة من الفصائل الجهادية والجماعات المسلحة المدعومة من تركيا، حشد الأكراد آلاف الشباب والفتيات في وحدات تدريبية للتصدي لهم. وأعلنوا تأسيس وحدات حماية الشعب (YPG) في عام 2012، التي توسعت لاحقا لتشمل وحدات حماية المرأة (YPJ) حيث شهدت انضمام العديد من النساء إلى صفوفها.
وأعلنت الولايات المتحدة الأميركية أن هدفها دعم ما يسمى "قوات سوريا الديمقراطية" لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية، في حين أكدت تركيا رفضها لوجودهم في مستقبل سوريا. فكان هدف واشنطن على حدِّ قولهم، ضمان استمرار دعم "قسد" لإبقاء تنظيم الدولة تحت السيطرة. بحيث تولى الأكراد حرس سجون تضم آلاف المقاتلين من تنظيم الدولة، وفي حال خروج المقاتلين من السجون ستكون سوريا والمنطقة برمتها في خطر.
فدعم بلاد العم السام لمناطق الأكراد هي التي ساهمت بإزدياد قوتهم العسكرية لمواجهة تركيا، على الرغم من أن تركيا إستطاعت هزيمة أصحاب الأرض في العديد من المناطق الكردية في سوريا كسقوط عفرين، التي كانت هزيمة كبرى للأكراد بعد أن شبّه أردوغان هذا النصر بانتصار القوات العثمانية في معركة "جناق قلعة" قبل حوالي المئة عام.
فلم يكن لأردوغان أن يحقق النصر في تلك المعركة، وغيرها من المعارك، لولا شراكة الولايات المتحدة في جرائمه. فالعم سام ذو وجهين؛ الوجه الإعلامي الذي يظهر دعمه للأكراد والفئات المستضعفة، والوجه الآخر، الحقيقي، الذي ساهم في قتل الأكراد بطريقة غير مباشرة عبر رفع غطاء الحماية في اللحظة المناسبة لتحقيق مصالحه.
الأكراد كعامل توتر في العلاقات السورية-التركية
تُعتبر تركيا من أبرز الدول المعنية بالقضية الكردية في سوريا، حيث ترى في الأنشطة الكردية تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي. يعود ذلك إلى ارتباط بعض الفصائل الكردية في سوريا بحزب العمال الكردستاني، المصنف كمنظمة إرهابية في تركيا. وقد دفع هذا القلق أنقرة إلى تنفيذ عدة عمليات عسكرية داخل الأراضي السورية، بهدف منع قيام كيان كردي مستقل على حدودها.
هذا التدخل التركي في الصراع السوري خلق توترًا مستمرًا في العلاقات بين تركيا والأكراد في سوريا، حيث أسفر عن صدامات عسكرية بين القوات التركية والفصائل الكردية، مما زعزع الاستقرار في المناطق الحدودية، وأثر سلبًا على طموحات الأكراد.
وبعد سقوط نظام الأسد وفوز المشروع التركي بالمعنى الدقيق، أكدت الأخيرة عدم إستعدادها لمهاجمة الأكراد ولكنها رفضت رفضا قاطعا أي قوات عسكرية على حدودها، حيث لا ترغب في أي تهديد مباشر لأمنها القومي من هذه الجماعات المرتبطة بحزب العمال الكردستاني.
على الرغم بأن تركيا لاتزال تقوم بعمليات عسكرية منذ 2016 الى يومنا هذا بذريعة مقاومة الارهاب بينما كل ما تفعله هو تهجير السكان الأصليين والسيطرة على ممتلكاتهم وأراضيهم وسرقة خيراتهم من محطات غاز ومياه ونفط وكهرباء وغيرها.
الأكراد ورسم الخارطة السياسية الجديدة في سوريا
تبقى مطالب الاكراد ذاتها حتى بعد سقوط الأسد، وهي الإعتراف الدستوري بهم وأن تكون سوريا لامركزية ديمقراطية ،لا أن تكون في نفس الصيغة القديمة ولكن بِزَي إسلامي. هدفهم تمثيلهم في الحكومة الجديدة وفي البرلمان، وأن يكونوا جزء من بلادهم لاسترجاع حقوقهم التي سلبها منهم نظام البعث القمعي والمستبد.
هناك مطالب شعبية بتشكيل وفد كردي مشترك لتقديم المطالب الكردية للسلطة في دمشق وهذا سيكون عاملًا مساعدًا، إلا أن المسألة الأساسية تكمن في الاعتراف الدستوري من قبل الحكام الجدد في دمشق. القضية المركزية هي رؤية هؤلاء الحكام، هل سيقبلون بسوريا ديمقراطية متعددة القوميات والطوائف؟ وإذا لم يتم تقديم الرؤية بهذا الاتجاه لن يكون للكرد وجود فيها.
جميع الاحتمالات مفتوحة لتدخُّل تركيا في الشأن السوري الآن كما كان تدخُّلها في أزمة 2016 والتي قلبت الموازين باحتلالها مناطق عدة. فتركيا ستحاول الاستمرار في تهديداتها للمنطقة دائمًا، والدليل على ذلك هجومها على المهجرين من عفرين والشهباء يوم تحرير سوريا بعد سقوط بشار الأسد، وطردهم من مخيمات النزوح ممّا أدى إلى موجة نزوح كبيرة باتجاه مناطق شمال وشرق سوريا.
وبعد ان فعل الكرد الكثير لدعم المعارضة ولإسترجاع حقوقهم، أقاموا العديد من العلاقات مع مختلف الدول، ناهيك بإنفتاحهم على التعددية في الحكم واللغات وكذلك على الصعيد المؤسساتي، إضافةً إلى الجهود الحثيثة التي بذلوها مع قوى المعارضة السورية أيضًا، وهذا ما يشكل أرضية خصبة لقبولهم والاعتراف بهم دستوريًا في سوريا ولتثبيت حقوقهم المشروعة.

# موسومة تحت :
  • العدد رقم: 427
`


ميرا عيسى