جورية غربية: وردة من ورود لبنان المناضل

كانت الوردة المتبقية من مجموعة الشيوعيات المناضلات اللواتي تركن بصماتهن في كل مجالات النضال، بدءا بالنضال من أجل تحقيق المساواة بين المرأة والرجل ووصولا إلى الدفاع عن تراب الوطن وعزته وتحرره من الانتداب الأجنبي.

لذا، انتسبت جورية إلى الحزب الشيوعي، وناضلت في صفوفه لأنه شكل بالنسبة لها، ولبنات الرعيل الاول، الممر الواضح باتجاه الوصول إلى مجتمع جديد... مجتمع لا فرق فيه بين الناس، وخاصة بين النساء والرجال... مجتمع يحترم إنسانية الانسان ويعطي لكل حسب حاجته.
تزوجت باكرا، وانتقلت إلى العاصمة، حيث التقت برفيقات ورفاق لها في الفكر، مناضلين ومناضلات يتقدمون الصفوف في معركة الغاء كل اشكال التمييز والاستغلال والتعصب والجهل، فوقفت إلى جانبهم في مسيرة لم تتوقف يوما رغم الصعاب، وأولها الحرب الأهلية القاتلة وما تخللها وتبعها من اعتداءات صهيونية متكررة على الوطن.
اليوم، رحلت جورية غربية عن دنيانا. رحلت تاركة في القلب غصة الفراق الذي شعرنا به يوم تركتنا الرفيقة الرمز ليندا مطر، وقبلهما الرفيقات مارسيل حنينة عبد الصمد وماري صعب وثريا عدرة وروز عكاوي وجورجيت عكاوي وماري تابت ونيفا الياس وغيرهن الكثيرات. ولا ننسى بالطبع اللواتي استشهدن في النضال الشعبي والعمالي، وفي طليعتهن المناضلة النقابية، عاملة الريجي وردة بطرس إبراهيم.
نساء تعلمنا منهن، ومن تاريخهن المشرف، الكثير الكثير يوم انتسبنا إلى الحزب الشيوعي اللبناني الذي افسح لنا، كما لهن، المجال للتعبير عن ذواتنا وللحصول على أفضل تربية فكرية وعملية على كافة المستويات.
تعرفت الى جورية بعيد المؤتمر الثاني لحزبنا، وكنت لا ازال طالبة في الجامعة... فعملنا معا في القطاع النسائي، إلى جانب نضالي على الصعيد الطلابي وضمن جريدة النداء اليومية وجريدة الاخبار الأسبوعية... وكتبنا معا برنامج نضالنا الذي تقدمنا به إلى المؤتمر الثالث في العام ١٩٧٢، حيث وقفت أمام جمهور المندوبين وممثلي الأحزاب السياسية العالمية واللبنانية لتشرح قضية المرأة اللبنانية، ولتلفت النظر إلى ما تعاني منه بفعل نظام التفرقة الطائفية، ولتؤكد على الدور الذي يتوجب على الحزب الشيوعي، بكامل أعضائه وهيئاته، ان يضطلع به من أجل فرض ادماج المرأة في الحياة الاقتصادية والسياسية في البلاد.
وكانت جورية، كذلك، تتميز بشجاعتها في التحركات والمواجهات، تلك الشجاعة التي اكتسبتها من ايام العمل السري، ايام الانطلاقة من النبطية إلى ضاحية بيروت الجنوبية، والتي صقلتها في المعارك المختلفة، وصولا إلى أيامنا هذه. ولا ننسى، بالطبع، دورها في لجنة حقوق المرأة اللبنانية طوال عقود من الزمن...
لذا، وبالرغم من غياب الجسد، ستبقى، كما كانت، الوردة الجورية التي يفوح عطر نضالاتها وتفانيها من أجل قضية المرأة والشعب في كل ارجاء الوطن. وستنهل الأجيال المقبلة من عطاءاتها وعطاءات رفيقات ورفاق دربها ما يساعد على بناء لبنان الجديد، الديمقراطي، العربي، المقاوم لكل اعتداء على سيادته، الإنساني بلا حدود. لبنان الوطن الحر والشعب السعيد.
هذا ما كانت جورية ستعلنه بدون شك أمام جمهور الشيوعيين في ذكرى مرور مئة عام على انطلاقة حزبنا. وهذا ما تنتظره، هي وكل من سبقوها، منا: أن نتابع النضال من أجل تحقيقه.