مواجهة الإمبريالية؟ حسناً هذا جميل! وفيه الكثير من العنفوان، وتتجسّد فيه كامل الحقيقة، فالإمبريالية كما قال الرفيق "جميل" في إحدى المسلسلات هي أحقر ما وُجِد. لكن مهلاً يا رفيق، نحن موجودون، ومنذ التأسيس ثابتون على مبادئنا، فلا حاجة للتصويب ولا ضرورة لكل هذا العنفوان. ففي التناقض الرئيسي الكيان الصهيوني العدّو الأول، وأميركا تعبث بمصير منطقتنا، وتسرق وتنهب وتقتل. ونكاد نكون الوحيدين الذين نتصدّى لها، من مفهوم التحرّر الوطني، القائم على التحرّر من التبعية، وتحقيق الاستقلال والعدالة الاجتماعية لشعوبِ منطقتنا. وذكّرنا لمئات المرات وفي أكثر من موضع، كـ"حزب شيوعي لبناني"، بأصل المشكلة، وانتهاكات الإمبريالية لمنطقتتا، والمؤامرات المحاكة، ونهب ثروات الشعوب، فلا حاجة للغوص في هذا الجدل. نحتاج لحلفاءٍ تنتصر لشعوبِ منطقتنا، نريد بناءَ مشروع التحرر الوطني مع حلفاءٍ همّهم شعوب المنطقة. كان همّك القضايا الكبرى، وهذا همّنا، ولكن ابحث لي عن دولة أو إطار في المنطقة يريد ممارسة التحرّر الوطني، من العراق، إلى إيران، فسوريا، ولبنان، وغيرها، يوافق على مشروع يسعى للتكاتف لمواجهة الإمبريالية ويسعى لنصرة الشعوب من أجل الرفاهية والعيش الكريم والمساواة، وعندما تجد هذا المشروع، نحن مستعدون...
والسؤال الرئيسي: لماذا هذه المفاضلة بين القضايا المطلبية القائمة على الصراع الطبقي وبين الصراع من أجل التحرّر الوطني؟ علماً أنّه لا يمكن الفصل ماركسيّاً بين النضال الاجتماعي والنضال في سبيل التحرّر الوطني. هذا فضلاً عن كون الرفيق "جواد الأحمر" قد نسي أنّ جوهر الهجمة الاستعمارية الأميركية على المنطقة اجتماعي واقتصادي بامتياز، وأنّ النضال المطلبي الاجتماعي في وجه الأنظمة التابعة للامبريالية إنّما يصبّ في خانة مواجهة المشروع الأم الذي تقوده واشنطن.علينا بناء أوطاننا كي تكون جاهزة لمواجهة الهيمنة الإمبريالية طبعاً، ولكن في التناقض الثانوي علينا مواجهة أدوات هذه الإمبريالية المتمثّلة بأحزاب السلطة مجتمعة، والتي فرضت على شعبنا ضرائبَ موجِعة وموازنة تبرّر سرقاتهم المتزايدة. علينا مواجهة هذه القوى الرأسمالية المحلية التابعة وفضحها، علماً أنّ الحزب لا يقوم بواجبه كاملاً، فالتحركات الشعبية من مطالب معيشية لا تكفينا لمواجهة السلطة بالأسماء والرموز، ولكن علينا فضح صفقاتهم وفسادهم بالمباشر في الكهرباء والتعهدات والبنزين والتوظيفات وغيرها، علينا فضحهم بالأسماء وفضح من يغطيهم وهم كل قوى السلطة دون استثناء.
إذاً، التناقض واضح. هو التناقض مع القوى الإمبريالية الخارجية، أعداء الوطن وكافة فئات الشعب المتضرّرة والتناقض مع السطلة المحلية، التابعة والمستفيدة من النفوذ الأميركي على حساب الشعب اللبناني.
وفي ضوء ما تقدّم، يبدو واضحاً أن كلّ أحزاب السلطة تخدم الإمبريالية، بمن فيها الأحزاب التي يضعها الرفيق جواد في دائرة القوى التي تحمل راية المواجهة للمشروع الأميركي. فهذه القوى، بدخولها في "دهاليز" الصراعات الطائفية والمذهبية والمحاصصة، إنّما تخدم هذا المشروع، ولو بشكلٍ غير مباشر، فجميعها وافقت على"سيدر" وشروط الدول المانحة لتنفيذه في إطار إحكام التبعية للرأسمال المعولم. فيما نحن الوحيدون تقريباً الذين كشفنا نواياه المرتبطة بصفقة القرن والتوطين. والحزب عبّر عن ذلك في تحركاته وبياناته.
واليوم، أكثر من أي وقتٍ مضى، علينا الوقوف بوجه سياسات هذه السلطة التي تزيد من إفقار شعبنا، والتي تتآمر لفرض المزيد من الضرائب على الفقراء ومحدودي الدخل وتستثني أصحاب الأموال الذين ينعمون بجنة ضريبية، فيما هي المستفيد الاكبر من عائدات خدمة الدين العام الهائل في ظلّ نظام اقتصادي ريعي. في حين أكّد الحزب أنّ الحل يكون بالضريبة التصاعدية العادلة، وكان له الدور المحوري في الحراك الشعبي للإنقاذ حاشداً الجماهير الشعبية ورافعاً الشعارات الفاضحة للسلطة ولمخاطر "سيدر" وتداعياته المهدِّدة بانهيارات مالية ونقدية واقتصادية.
أخيراً، من مسلمات الفكر السياسي للحزب أنّ التغيير الديمقراطي للنظام السياسي القائم، هو ما يحصن المواجهة مع المركز الرأسمالي العالمي ومع ما يُخطّط له من تفتيت للمنطقة طائفيّاً ومذهبيّاً وجهويّاً، إذ أنّه من دون إسقاط الأنظمة التابعة وبناء أنظمة وطنية تحمل مشروع المواجهة يبقى الصراع قاصراً عن كسر خطة واشنطن الموضوعة للمنطقة. وبالتالي، من الخطأ القول أنّه يمكن إغفال ضرورة تحقيق التغيير الديمقراطي على المستوى الوطني في سبيل أولوية وهمية تفترض حصر الصراع مع الوحش الأميركي وتغفل أهمية نزع مخالبه المتمثلة بالأنظمة التابعة.
والسؤال الأهم هنا، هل يمكن المراهنة على مواجهة المشروع الأميركي التفتيتي للمنطقة وللكيانات العربية بقوى تستخدم نفس الأدوات وتعمل بروح براغماتية لتغذية الصراعات الطائفية والمذهبية خدمة لمصالحها كدولة؟
النضال المجدي: كل نضال يرفع الظلم عن الإنسان
في مكانٍ آخرَ خارج مقالات الرفيق "جواد الأحمر"، ألمٌ من نوع آخر، يتجسّد في يومياتنا، في تفاصيل حياتنا وأفكارنا. يأخذنا الرفيق إلى عالمٍ آخرَ، نظنّ للحظة أنّنا نعيش في دولة، وأنّ محيطنا أصبح مؤهّلاً للمواجهة.
النداء 2024. حقوق المنادى فقط محفوظة.